المقالات

مكة تقرأ.. حين يصبح الإنجاز الإعلامي لغة دولة

ليس كل فوزٍ إداري خبرًا عابرًا، ولا كل منصبٍ يُنال يمكن اختصاره في رقم أو دورة زمنية. فوز المملكة العربية السعودية برئاسة اتحاد إذاعات الدول العربية للمرة الثالثة على التوالي لا يمكن قراءته بمعزل عن سياقه الأوسع: سياق التحول الإعلامي الذي تعيشه المملكة، والدور الذي باتت تؤديه في تشكيل المشهد الإعلامي عربيًا ودوليًا.

تغريدة محمد فهد الحارثي، رئيس المنتدى السعودي للإعلام، لا تتعامل مع الحدث بوصفه مكسبًا مؤسسيًا فحسب، بل تقدّمه باعتباره انعكاسًا طبيعيًا لمكانة رسختها المملكة عبر سنوات من العمل المنهجي والدعم المتواصل للإعلام والإعلاميين. اللافت في الخطاب أنه لم يبدأ بالمنصب، بل بالمعنى؛ بالتقدير الذي تحظى به المملكة، وبالدور المحوري الذي تؤديه، وكأن الفوز نتيجة حتمية لمسار، لا مفاجأة عابرة في طريق طويل.

في هذا السياق، يبرز عنصر مهم في بناء الخطاب: إعادة الإنجاز إلى مصدره الحقيقي. فالدعم الذي يحظى به الإعلام من القيادة الرشيدة لم يُذكر كمجاملة بروتوكولية، بل كعامل تمكين أساسي، يفسّر كيف تحوّل الإعلام السعودي من مجرد ناقل للحدث إلى شريك في صناعته، ومن متلقٍ للتأثير إلى فاعل فيه. هذه الإشارة لا تحمل بعدًا احتفاليًا فقط، بل رسالة ضمنية لكل إعلامي بأن التميّز مسؤولية بقدر ما هو فرصة.

كما أن توجيه الشكر لمعالي وزير الإعلام سلمان الدوسري جاء في سياق واضح: تثبيت منطق العمل المؤسسي، حيث تتكامل الأدوار ولا تتزاحم، وتُبنى الإنجازات على المتابعة والدعم، لا على الجهد الفردي المعزول. هنا يتحول الشكر إلى أداة تنظيم للخطاب، لا إلى عبارة مجاملة عابرة.

الأهم في التغريدة، وربما أكثر ما يستحق التوقف عنده، هو انتقالها في ختامها من الفضاء الوطني إلى الأفق العربي المشترك. الحديث عن “منظومة إعلامية عربية قادرة على مواكبة التحولات المتسارعة” يعكس تصورًا يتجاوز فكرة الريادة بوصفها تفوقًا، ليقدّمها باعتبارها مسؤولية قيادية، هدفها توحيد الجهود لا احتكار المشهد.

بهذا المعنى، لا تقول التغريدة إن المملكة فازت فقط، بل تقول – ضمنيًا – إن الإعلام لم يعد مجرد مساحة للعرض، بل ساحة للثقة، وبناء الصورة، وصناعة المعنى. وحين يُدار الخطاب بهذه اللغة الهادئة الواثقة، فإن الإنجاز لا يُستهلك في لحظته، بل يتحول إلى رصيد مستدام في الوعي العام.

مكة تقرأ

نقرأ معًا من صحيفة مكة الإلكترونية نصوصًا ومقالاتٍ تحمل المعنى، وتفتح النوافذ نحو العقول والقلوب…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى