لست أعني القيمة المضافة عند الاقتصاديين بل القيمة المضافة في الفن حيث يتوقف الفيلسوف الفرنسي بول ريكور في كتابه (الانتقاد والاعتقاد) عند بعض الأعمال الإبداعية للرسام الشهير فان جوخ فهذا الفيلسوف مفتون بالفن وبسبب هذا الولع الشديد بالفن فإنه يمجد الفنانين ويحلل لوحاتهم بأعمق درجات العشق …..
ولكن إعجابه يشتد بمقدار التفرد الذي يتميز به الرسام فهو يقول: إن فرادة العمل الفني تعود إلى الشكل المبتكر والاسلوب الفريد ما يجعل العمل قيمة مضافة فكأن الرسام يتجاهل قواعد الفن ويخلق قواعد جديدة لنفسه ولمن يأتون بعده فهو لا يتقيد بما هو سائد ولا يسير على منوال …..
يقول بول ريكور: ((يشبه العمل الإبداعي شرارة نارية تخرج من ذاتها لأكتوي بنارها)) ويقول: ((وحده الرسام المبدع يمكنه أن يُجَسِّد هذه الفرادة؛ إعطاء جوابٍ فريد للسؤال الفريد؛ فالعبقرية تبرز على وجه التحديد في القدرة على تقديم جوابٍ فريدٍ على سؤال فريد))
وفي دراسة مركزة للأمريكية جويل سوير دلو تتساءل عن طوفان الاعجاب بفان جوخ فتقول: ((لماذا يملك علينا وجودنا؟ لماذا ندفع في لوحاته أعلى الأثمان؟ ولماذا تجذب معارضه أعلى كثافة من الزوار؟ لماذا تُنسَخ صوره على؛ الجوارب والمفارش ومناديل الحفلات وحتى على أكواب القهوة؟ لماذا بيع من الأغنية التي سُجِّلت عنه أكثر من عشرة ملايين نسخة؟ لماذا حولوا حياته في السينما إلى اسطورة؟ لم يصل أي فنان عبر الزمن في أية حضارة إلى ما وصلت إليه شعبية فان جوخ))
هذا الهوس العالمي بفان جوخ جعل إحدى لوحاته تباع بمبلغ اثنين وثمانين مليون دولار وتراوحت لوحاته الأخرى ما بين خمسين وثلاثين مليون دولار ……
هذا المبدع العجيب لم يتلق تعليما في الرسم لكنه كان مدمنًا للقراءة ولقد أكد دارسو سيرته بأن قراءاته الواسعة والمتنوعة قد شكَّلت رؤيته للعالم ….
إن اتساع ثقافته العامة كان مصحوبا بشغف شديد بفن الرسم ففي إحدى رسائله كتب يقول: (( الرسم أهم بكثير من الطعام)) ولأنه كان فقيرًا فإنه يُقَدِّم أدوات الرسم على شراء الطعام حين يكون بين خيارين ……
كان يعشق الألوان عشقًا أحال الدنيا كلها في نظره إلى ألوان حتى حين يسمع موسيقى فإنه يحللها إلى ألوان ويقول: ((إن هذه النغمات الموسيقية تتراوح بين اللون الأزرق الداكن واللون الأصفر)) أما كيف اندفع في هذا الاتجاه دون أن يكون قد تلقى أي تأهيل تعليمي أو تدريب عملي فكما يقول: ((لقد شعرت بقوة اللون تستيقظ في أعماقي))
هذا المبدع الذي تتحدث عنه الدنيا عاش حياة بائسة فلم تُدرَك قيمته إلا بعد وفاته المبكرة فصدرت عنه دراسات وكتب كثيره وتباع لوحاته بأغلى الأثمان وأقامت له هولندا متحفًا في أمستردام يزوره الملايين بل إن قبره صار مزارًا للسياح من مختلف أنحاء العالم أما في حياته فقد عاش فقيرًا بائسًا ..
0






