المقالات

التعصب الرياضي آفة خطيرة تضعف العلاقات الاجتماعية يجب محاربتها

الرياضة بكل أشكالها وأنواعها تمثل جزءًا أساسيًا من حياة الأفراد والمجتمعات في كل دول العالم قاطبة، فهي ليست مجرد نشاط بدني أو تنافسي، بل هي أيضًا وسيلة للتواصل والترفيه والتقارب بين الناس. ولكن مع تزايد حب و شغف الناس بالرياضة وتشجيع الأندية والفرق المختلفة، أصبح التعصب الرياضي ظاهرة مقلقة و مزعجة تهدد العلاقات الاجتماعية وتؤثر على استقرار المجتمعات. فالرياضة كما تعرفون جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان، فهي لا تقتصر على تعزيز الصحة البدنية فقط، بل تساهم أيضًا في تنمية القيم الاجتماعية والروحية. فالفرد يتعلم من خلال الرياضة الانضباط والتعاون والاحترام وتطوير روح المنافسة الشريفة. ووفقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن ممارسة الرياضة بشكل منتظم تسهم في الوقاية من العديد من الأمراض كالسمنة، وأمراض القلب، والاكتئاب. بالإضافة إلى ذلك، تعد الرياضة وسيلة فعالة لبناء العلاقات الاجتماعية وتقوية الروابط بين الأفراد. فالملاعب والمنصات الرياضية أصبحت أماكن تجمع للمجتمعات حيث يمكن للناس من مختلف الأعمار والخلفيات الاجتماعية التفاعل، بغض النظر عن انتماءاتهم أو ثقافاتهم. وتظل العلاقة بين المشجعين والفرق الرياضية بمثابة انعكاس لتماسك المجتمع، مما يجعل التشجيع الرياضي أكثر من مجرد تأييد لنادٍ أو فريق معين، بل جزءًا من هوية اجتماعية وثقافية. وبعد إنتشار منصات التواصل الاجتماعي تحديدا نلاحظ ظهور وبروز التعصب الرياضي كأحد أكبر التحديات التي تواجه المجتمعات في العديد من دول العالم، فالتعصب لا يعني فقط التشجيع الحماسي لفريق أو نادي، بل يشمل أيضًا السلوكيات المتطرفة التي تتسبب في العداء والخصومات بين الجماهير تتجاوز احيانا الحدود الرياضية لتصل إلى العنف والتطرف اللفظي.
تشير دراسات عدة إلى أن التعصب الرياضي يمكن أن ينعكس سلبًا على علاقات الأفراد في المجتمع. وفقًا لدراسة نشرها “المركز الدولي لدراسات الرياضة” في سويسرا، أظهرت النتائج أن أكثر من 40% من مشجعي الأندية الرياضية في بعض الدول يعانون من اضطرابات اجتماعية نتيجة التعصب، مثل الفتور في العلاقات العائلية والاحتقان بين الأصدقاء. فالتعصب الرياضي يمكن بالفعل أن يؤدي إلى الانقسامات بين الأفراد في المجتمع، حيث يرفض البعض التواصل مع أولئك الذين يشجعون فرقًا مختلفة، مما يجعل التعاون الاجتماعي أكثر صعوبة. كذلك إحصائيات أخرى أظهرت أن الأحداث الرياضية الكبرى، كالمباريات النهائية أو البطولات، شهدت العديد من الحوادث بين المشجعين بسبب التوترات الناتجة عن التعصب، حيث يحدث تطور سريع نحو العنف الجسدي أو اللفظي بين الأفراد. ولعل ذلك يشير إلى أن التعصب الرياضي يمكن أن يتسبب في شقاق داخل الأسر والبيئات الاجتماعية.
لم يقتصر الأمر على التأثير السلبي للتعصب الرياضي على الأفراد فقط، بل امتد ليؤثر على العلاقات بين الأندية والجماهير، حيث أصبحنا نشهد منافسات لا تقتصر على أرض الملعب فحسب، بل تتسع لتصل إلى وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. حيث نرى تزايد الهجوم اللفظي بين المشجعين الذي قد يؤدي إلى تكريس بيئة سلبية مليئة بالصراعات، حتى أن بعض الأندية بدأت تتبنى سياسات ضد هذه الظاهرة. وزارة الرياضة والاتحاد السعودي للإعلام الرياضي في المملكة بذلا مشكورين جهودًا كبيرة لمحاربة التعصب الرياضي ، من خلال حملات توعوية وتنظيم دورات تدريبية ، إضافة إلى فرض غرامات على الممارسات التي تشجع على التفرقة والعداء، مثل الهجوم على الأندية المنافسة عبر وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي. فهذه المبادرات، تهدف إلى تعزيز بيئة رياضية صحية ونزيهة تكون فيها المنافسة محكومة بأخلاقيات رياضية رفيعة، لا تضر بالعلاقات الاجتماعية أو تزعزع استقرار المجتمع. فعلى سبيل المثال، تم فرض غرامات كبيرة وإيقاف على بعض الإعلاميين الرياضيين الذين حاولوا استفزاز مشجعي الأندية المنافسة بنشر رسائل تروج للكراهية أو العنف. وكذلك، امتدت الحملات التوعوية التي تنظمها وزارة الرياضة إلى المدارس بهدف غرس مفهوم “الروح الرياضية” في الأجيال القادمة.
يجب التأكيد على أن الرياضة مجالًا لتحقيق التفاهم المشترك وبناء علاقات إيجابية بين أفراد المجتمع. ولتحقيق ذلك، يجب أن يتحلى الأفراد بالروح الرياضية في تشجيع فرقهم المفضلة. كذلك يجب أن يكون التشجيع مبنيًا على التقدير والاحترام، وليس على التفرقة والتحريض على العنف. فالأخلاقيات الرياضية لا تقتصر على الممارسين داخل الملاعب فحسب، بل تشمل أيضًا المشجعين ووسائل الإعلام، ومنصات التواصل الاجتماعي التي يجب أن تلعب دورًا إيجابيًا في نشر ثقافة الاحترام المتبادل. فالرياضة يجب أن تكون مجالًا لتوحيد الكلمة، وجعل الناس يتعاونون على الإيجابيات بدلاً من الانغماس في السلبيات التي يؤدي إليها التعصب.
ختاما ، اقول بأن التعصب الرياضي يمثل آفة خطيرة تؤثر على العلاقات الاجتماعية وتقوض التماسك بين أفراد المجتمع. وعلى الرغم من أهمية الرياضة في حياتنا، فإن هذه الظاهرة تتطلب التدخل الجاد من جميع الأطراف المعنية ، بل والمجتمع ككل. فتكامل الجهود وتوحيدها امر حتمي من قبل الأندية والوزارات والهيئات والكليات والاكاديميات والمعاهد والاتحادات الرياضية ووسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لبذل مزيدا من المبادرات والبرامج والفعاليات المستمرة والمتواصلة لمحاربة التعصب الرياضي في المدارس والجامعات والأندية و الملاعب والساحات والمنصات الرياضية وفي كافة الوسائل لخلق بيئة رياضية صحية سليمة تشجع على الأخلاق الرياضية وتوحيد الصفوف. يجب أن تتأكد المجتمعات أن الرياضة ليست مجرد منافسة بل هي وسيلة للتواصل، والاحترام، وبناء العلاقات الإنسانية السليمة.

• استاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

د. تركي بن فهد العيار

أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى