في معارك الإخوة لا منتصر، فكل ضربة تُوجَّه إلى الصف الداخلي
هي مكسب صافٍ للعدو.
نحن لا نُهزم لأن عدونا أقوى، بل لأننا نعجز عن تجاوز ذواتنا، والاتفاق على قضية موحّدة
أو مصير جامع.
كتب حاييم وايزمان،
أول رئيس لدولة إسرائيل،
في مذكراته:
(العرب يمتلكون جميع العوامل التي تمكنهم من استعادة مجدهم، إذا هم توحدوا، ولذلك فإن زرع الانقسام في صفوفهم هو السبيل لضمان بقاء إسرائيل)
هذه العبارة ليست تحليلًا سياسيًا عابرًا، بل تعبير صريح عن إدراك المؤسسة الصهيونية المبكر لخطورة وحدة العرب، وأن أخطر سلاح في وجه مشروعهم هو اصطفافنا
على قلب واحد.
اليوم، يعيد (نتنياهو)
إحياء هذا المنطق
حين يعلن أنه يحمل
مهمة تاريخية
لإعادة إسرائيل الكبرى
في إشارة لمشروع توسعي يتجاوز حدود فلسطين
إلى كامل الإقليم العربي.
ما يمنح هذا المشروع فرصته ليس تفوق العدو،
بل التآكل الداخلي
في صفوف الأمة،
وغفلة الشعوب،
وتضارب الإرادات.
فالأمة العربية تنهار من الداخل:
حرب مستعرة في السودان، نزيف مستمر في اليمن،
طائفية مزمنة في لبنان،
شلل سياسي في العراق،
فوضى وانقسام في ليبيا، وصراعات طويلة الأمد في الصومال،
فضلًا عن التوترات البينية
بين بعض الدول العربية.
في ذات الوقت،
تحوّلت وسائل التواصل الاجتماعي
إلى أدوات تمزيق اجتماعي ونفسي وثقافي،
تُذكي الكراهية،
وتؤجج الطائفية،
وتبث الأحقاد
بين أبناء الشعب الواحد.
قال الله تعالى: ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم﴾،
والريح هنا ليست فقط النصر، بل العزيمة والهيبة والمكانة. وكلما اشتدت النزاعات الداخلية،
تلاشت هذه الريح
وتآكلت القضايا الكبرى.
ولنا في التاريخ دروس بليغة؛ في الجاهلية، كانت القبائل تتحالف مع القوى الخارجية لغياب المشروع،
حتى جاء الإسلام
فوحّدهم حول الرسالة.
لكن حين عادت الفرقة، سقطت الأندلس بيد ملوك الطوائف، لا ألفونسو،
وسقطت بغداد بعد أن مهد التنازع لهولاكو الطريق.
قال ابن خلدون:
الملك لا يقوم إلا بالعصبية، فإذا انهارت، انهار الملك ولو كثرت الجنود.
اليوم، ومع استمرار العدوان على غزة، وانتهاك الأقصى، والتطبيع المتسارع،
ندرك أن ما يمنح العدو جرأته ليس تفوقه بل سكوتنا،
ليس سلاحه بل فرقتنا.
قال تعالى: ﴿ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البيّنات﴾.
فهل نُدرك قبل فوات الأوان أن خريطة العدو تُرسم
حين نمزّق خريطتنا؟
وأن وحدتنا ليست ترفًا،
بل ضرورة وجود؟
توحدوا…
لا من أجل فلسطين فقط،
بل من أجل أنفسنا،
قبل أن لا يبقى ما نتوحد عليه.

