المقالات

أول يوم تقاعد… أَنامُ مِلءَ جُفوني عَن شَوارِدِها

في أول يوم من أيام الدراسة لهذا العام، وجدت نفسي على غير عادتي نائمًا على سريري، لا يشغلني شاغل. بعد أن كان هذا اليوم يمثل لي قمة السعادة، حيث اللقاء بالطلاب في قاعات المحاضرات؛ ذلك الصرح الذي يُصنع فيه رجال الغد. فقلت: سبحان مغير الأحوال.. فبعد أن كنت أهرول إلى قاعة الدرس قبل الثامنة صباحًا، أو إلى اجتماع إحدى اللجان المعنية بتطوير العملية التعليمية أو البحث أو خدمة المجتمع، أصبحت اليوم أنام ملء جفوني عن شواردها، ولا من يسهر جراها ولا من يختصم.

لقد ترجّلت عن التدريس بعد عقود طويلة من العمل الجاد المتواصل في بيئة جامعية لا نظير لها في الإتقان، وفي علاقاتي مع الزملاء والطلاب الذين نعتبرهم قادة المستقبل.

وقد كتبت رسالة وداع لزملاء العمل نشرتها عبر منصّتي X وفيسبوك، قلت فيها:

إخواني وزملائي في جامعة المؤسس،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

لقد كان لي شرف الانتماء إلى هذا الكيان العظيم، جامعة الملك عبدالعزيز، مذ كنت طالبًا حين دخلتها عام 1394هـ (1974م) وتخرجت عام 1398هـ، ثم بعد حصولي على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة مانشستر عام 1407هـ (1987م)، عدت إلى جامعتي لأعمل عضو هيئة تدريس حتى ختام الفصل الدراسي السابق.

والآن، وأنا أودّع هذا الكيان الكبير (كلية علوم الأرض)، أجد السعادة تملأ قلبي وأنا أرى الأجيال التي شاركتُ في تدريس بعضها قد أينعت وأثمرت كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها.

أما من درستُ على أيديهم وزاملتهم زمنًا من الدهر، فلا أملك إلا أن أدعو الله لمن صاروا بين أطباق التراب أن يُنزلهم منازل الشهداء والصالحين، وأن يبارك في أعمار من مدّ الله في عمره، ويجزيهم عنا جميعًا خير الجزاء على ما بذلوه من جهد وعطاء كان كالنهر المتدفق، علمًا يُنتفع به، ورجالًا صالحين يخدمون دينهم ووطنهم بصدق وإخلاص.

فبارك الله في الجميع، ووفقهم لكل خير، وجعل عواقب أمورنا جميعًا إلى خير.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

لقد كانت التعليقات والردود والثناء فوق توقعي، فسألت الله أن يجعل شهادة الزملاء وما قدمتُه خدمة للعلم والعلماء ذخرًا لي يوم ألقاه. وما ذلك على الله بعزيز

أ.د. عصام يحيى الفيلالي

أستاذ سابق – جامعة الملك عبدالعزي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى