المقالات

الأمل… روح الحياة د عبدالرحيم بن محمد الزهراني

الأمل في حياة الإنسان ليس زينةً عابرة، ولا خيالًا يُخدّر العقول، بل هو سرّ بقاء القلب يقظًا، والروح حيّةً، والنفس متطلعةً إلى رحمة الله تعالى. فالمؤمن حين يعتنق الأمل الحق، يجد فيه بلسماً للهموم، ودافعًا للعمل، ووقودًا للصبر على البلاء. إنّه النور الذي يضيء عتمة الطريق، ويبدد وحشة الغربة في هذه الدنيا، ليقوده إلى جنات عرضها السماوات والأرض. قال تعالى:

{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}

الأمل الممدوح هو الرجاء الصادق بالله، يقرنه صاحبه بالعمل الصالح، فيزداد ثباتًا على الطاعة، ويستمد منه قوّة على مجاهدة النفس، حتى لا تستسلم للهوى. وهو أمل يُثمر التفاؤل، ويزرع الطمأنينة، ويربط بين الدنيا والآخرة؛ فيجعل من كل خطوةٍ في الأرض جسرًا نحو الجنة.

وقد أوضح النبي ﷺ الفارق حين قال:
«الكَيِّسُ من دان نفسَه وعمل لما بعد الموت، والعاجزُ من أتبع نفسَه هواها وتمنَّى على الله الأماني»

أما الأمل المذموم، فهو طول الأمل الذي يجرّ إلى الغفلة، وأحلام فارغة بلا عمل، تؤخر التوبة وتُميت القلب. وقد حذّر القرآن من ذلك بقوله:

{ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}

إن طول الأمل يُنتج الغفلة، ويُنسي الآخرة، ويُشغل عن الاستعداد للقاء الله، حتى كأن صاحبه يعيش في سراب يظنه ماءً. أما الأمل الحق فهو حياةٌ للقلوب، وزادٌ للأرواح، وطريقٌ للسلام الداخلي واليقين.

الأمل الحق هو رجاءٌ يقرّب العبد إلى ربه، ويجعل من الطاعة زادًا، ومن الصبر مقامًا، ومن التفاؤل يقينًا. إنه نور يرفع الأرواح، ويبدد ظلمات الوهم، ويعيد للقلب توازنه.

فلنُجدّد إذن عهدنا مع الأمل المشرق، ولنرفع الدعاء من أعماق القلوب:

اللهم اجعل أملنا فيك رجاءً صادقًا لا يخيب، وأملًا يقرّبنا إلى طاعتك، ولا تجعلنا من الغافلين بطول الأمل وأماني الهوى. اللهم ارزقنا الجنة وما قرّب إليها من قول وعمل، وأجرنا من النار وما قرّب إليها من قول وعمل،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى