نواصل معكم سلسلة مقالات “دور رأس المال البشري”، وفي هذا المقال نستكمل الجزء الثالث..
سادساً : تجارب دولية ناجحة في الاستثمار في رأس المال البشري
أظهرت بعض الدول قدرة ملحوظة على التحول السريع لرأس المال البشري، مما ساعدها على تحقيق قفزات اقتصادية كبيرة. من بين هذه الدول:
تجربة المملكة العربية السعودية مع رؤية 2030 تمثل نموذجًا طموحًا وملموسًا لتحويل رأس المال البشري إلى محرك استراتيجي للتنمية الاقتصادية والاجتماعية حيث لم تكتفِ الرؤية بوضع الإنسان في صلب اهتماماتها، بل عملت على تمكينه من خلال سياسات ومبادرات مبتكرة شملت التعليم، والصحة، وسوق العمل، والابتكار.
أبرز ملامح هذه التجربة:
1. التحول الاستراتيجي في سياسات الموارد البشرية: انتقلت المملكة من النظر إلى رأس المال البشري كوظيفة إدارية إلى اعتباره شريكًا استراتيجيًا في تحقيق أهداف الرؤية. لم يعد دور الموارد البشرية مقتصرًا على المهام الروتينية، بل أصبح يُعنى ببناء القدرات، وتطوير المهارات المستقبلية، وقيادة التحول الرقمي داخل المؤسسات .
2. تمكين المرأة وزيادة مشاركتها في سوق العمل: تُعد زيادة نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى أكثر من 30% أحد أبرز إنجازات الرؤية، حيث تم تمكين المرأة عبر سياسات داعمة وفرص تدريبية نوعية، مما أسهم بشكل مباشر في تنمية رأس المال البشري وتعزيز التنوع في الاقتصاد الوطني .
3. الاستثمار في التعليم والتدريب التقني والمهني: أولت الرؤية اهتمامًا كبيرًا للتعليم والتدريب المستمر، وربط مخرجاتهما باحتياجات سوق العمل المستقبلية، خاصة في القطاعات الواعدة مثل الطاقة المتجددة، والتقنية، والصناعة. على سبيل المثال، أطلقت مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة مبادرة خاصة “لتأهيل رأس المال البشري” في قطاع الطاقة، تهدف إلى استقطاب الكفاءات وتطوير التعليم والتدريب لإنشاء قوة عمل وطنية مؤهلة .
4. تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص: شجعت الرؤية على التعاون بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص لتنمية رأس المال البشري. على سبيل المثال، وقَّعت وزارة الاقتصاد والتخطيط وصندوق تنمية الموارد البشرية مذكرة تعاون لتنمية رأس المال البشري ودعم الدراسات المتخصصة في سوق العمل، مما يعزز تبادل الخبرات ويطور السياسات الداعمة للكوادر الوطنية .
5. التحول الرقمي وبناء اقتصاد المعرفة: ساهمت الرؤية في تحفيز التحول الرقمي وبناء اقتصاد قائم على المعرفة من خلال الاستثمار في البنية التحتية التكنولوجية وتشجيع الابتكار. وهذا بدوره عزز من مهارات الشباب السعودي وفتح آفاقًا جديدة للعمل في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، والبرمجة .
الدروس المستفادة من تجربة المملكة العربية السعودية :
1. الرؤية الشاملة والاستراتيجية الطموحة هي الأساس لتحقيق النجاح في تنمية رأس المال البشري.
2. الشراكة الفاعلة بين الحكومة والقطاع الخاص والقطاع غير الربحي ضرورية لتحقيق الأهداف الكبرى.
3. الاستثمار في المهارات المستقبلية والتخصصات النوعية يضمن بقاء القوة البشرية مواكبة لمتطلبات العصر.
هذه التجربة لا تثبت فقط أهمية رأس المال البشري كركيزة للاقتصاد المعرفي، بل تقدم أيضًا نموذجًا يمكن للدول النامية أن تستلهم منه في صياغة سياساتها المستقبلية.”
· سنغافورة: التي استثمرت بشكل مكثف في التعليم والرعاية الصحية، مما جعلها واحدة من أكثر الدول ابتكاراً في العالم .
· جمهورية كوريا: التي اعتمدت على سياسات تعليمية صارمة واستثمار في البحث والتطوير لتحول اقتصادها إلى اقتصاد قائم على المعرفة .
· أيرلندا: التي استطاعت جذب الاستثمارات الأجنبية في قطاع التكنولوجيا المتقدمة благодаря لقوة عاملة ماهرة .
وفي الخلاصة يمكن القول بأن رأس المال البشري أصبح يمثل المحور الأساس في الاقتصاد القائم على المعرفة، حيث يمثل الاستثمار فيه استثماراً في المستقبل.
ولضمان نجاح هذا التحول، يجب على الدول:
1. اعتماد سياسات شاملة للاستثمار في التعليم والصحة والتدريب.
2. تعزيز التعاون الدولي لتبادل الخبرات والمعارف في مجال تنمية رأس المال البشري.
3. الاستفادة من التكنولوجيا لتحسين جودة ووصول الخدمات الأساسية.
4. تمكين المرأة والشباب لضمان مشاركة جميع فئات المجتمع في الاقتصاد المعرفي.حيث أن الدول التي تستثمر اليوم في رأس المال البشري هي التي ستقود الاقتصاد العالمي غداً. فقط من خلال مواجهة التحديات وتبني الاستراتيجيات الفعالة، التي ستحقق النمو المستدام والازدهار للجميع.
والله من وراء القصد.





