المقالات

بين استراتيجية المحيط الأحمر واستراتيجية المحيط والأزرق……هل لمحيطنا لون آخر؟

عضو هيئة تدريس سابق / جامعة الملك عبدالعزيز

في عالم تتقاطع فيه الاستراتيجيات وتتصارع المفاهيم، برزت نظريتان أساسيتان..، لطالما سيطرتا على فكر القادة والمخططين:

1. استراتيجية المحيط الأحمر
2. استراتيجية المحيط الأزرق.

فالمحيط الأحمر هو ذلك الفضاء التنافسي المشبع، حيث تتصارع الشركات والمؤسسات على حصة في سوق محدودة، وتنتشر المنافسة على أساس السعر أو الجودة، وتُراق “دماء” المنافسة، مما يجعل الربحية محدودة والمستقبل غير مضمون.
أما المحيط الأزرق، فهو فضاء السوق غير المكتشف، حيث تُبتكر قيمة جديدة، وتُخلق أسواق غير موجودة، وتتوقف المنافسة لتبدأ الريادة، مما يضمن نمواً وربحية أعلى.

ويمكن اعتبار التحول من الهاتف الأرضي إلى الهاتف الذكي مثالاً كلاسيكياً على استراتيجية المحيط الأزرق، حيث قامت الهواتف الذكية بخلق سوق جديد تماماً لم يكن موجوداً من قبل
وتتنافس شركات سيارات مثل تويوتا وفورد في سوق السيارات التقليدية ( استراتيجية المحيط الأحمر) بينما ركزت شركة Tesla على الابتكار في السيارات الكهربائية عالية الأداء وخلقت سوقاً مميزاً لها في صناعة السيارات ( استراتيجية المحيط الأزرق)،
فماذا لو كانت التحديات المعاصرة من استدامة ومسؤولية اجتماعية تفرض علينا التفكير خارج هذا الثنائي التقليدي؟
إن البحث عن مفهوم متطور يستند إلى اتجاهات معاصرة في الأدبيات الإدارية تتجاوز نموذج المحيطين الأحمر والأزرق التقليدي.، خاصة بعد صدور المرسوم الملكي الكريم بتاريخ ١٤٤١/٣/٢هـ المتضمن الموافقة على نظام الجامعات؟ والذي بموجبه شرعت العديد من الجامعات السعودية… في صياغة مسار مميز، لا يقتصر على المنافسة في المحيط الأحمر، ولا يرضى بمجرد الابتكار في المحيط الأزرق، (كما نرى بوادر ذلك في مشروع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (KAUST) في مجال ريادة الأعمال التقنية،)بل يسعى إلى تبني مفهوماً شاملاً هو ‘المحيط الأخضر’…”.
وذلك من خلال نفعيل العديد من المكتسبات مثل :
1. تفعيل استثمار مواردها الذاتية وإيجاد مصادر تمويل جديدة،
2. السماح لها بتأسيس الشركات الاستثمارية،
وذلك أسوة بالتجارب العالمية التي أدركت أن المستقبل للمؤسسات التي تدمج الربحية مع الغرض الاجتماعي. كجامعة “ستانفورد” و”معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)” الذين حوّلا الأبحاث العلمية إلى شركات ناشئة تدر مليارات الدولارات، من خلال حدائق التقنية والشراكات مع الصناعة.

ومن خلال مشاركتي في اكثر من خطة وفعالية مع العديد من الجامعات السعودية تبين لي أن متطلبات النجاح في تطبيق نظام الجامعات وتنمية مواردها ( وفق استراتيجية المحيط الأخضر) يمكن إجمالها فيما يلي :”

1. توفير البيئة النظامية المحفزة: العمل على تطوير أنظمة مرنة داخل الجامعة تحفز على الاستثمار وريادة الأعمال، وتسهل إجراءات عقد الشراكات وإنشاء الشركات المنبثقة عن الأبحاث الجامعية.
2. تعزيز المرونة للباحثين والمراكز البحثية: منح المراكز البحثية وأعضاء هيئة التدريس المرونة الكافية لإبرام الشراكات الاستراتيجية المباشرة مع المؤسسات المحلية والإقليمية والدولية، مما يسرّع عملية نقل التقنية وتنمية الموارد.
3. الاستجابة لرؤية المملكة 2030: وخاصة برامج التخصيص في القطاعين الصحي والتعليمي، من خلال تقديم نماذج عمل مبتكرة تجذب القطاع الخاص للاستثمار في هذه المجالات الحيوية.
4. إنشاء حاضنات أعمال ومسرعات متخصصة في التقنيات الخضراء والاقتصاد الدائري، لتحويل الأبحاث إلى مشاريع تجارية تحقق عائداً ثلاثياً: اقتصادياً، وبيئياً، واجتماعياً.”
5. تطوير مؤشرات أداء تقيس الأثر البيئي والاجتماعي لجميع المشاريع ضمن نطاقات العمل التي تميز كل جامعة ، وليس العائد المالي فقط.

وبهذا لا يصبح المحيط الأخضر مجرد لون مضاف… بل هو البوصلة الاستراتيجية الجديدة للمؤسسات التي تطمح لريادة المستقبل.”
ويصبح تحقيق الاستدامة المالية والبيئية ( الاستدامة الشاملة) ليس مجرد خيار، بل هو السبيل الأمثل لضمان ريادة مستدامة في عالم سريع التغير. إنه تأكيد على أن أعظم الموارد هي تلك التي نستثمرها في رأس المال البشري المتمثل في عقول أبنائنا وباحثينا، ويخدم مجتمعنا.

والله من وراء القصد

أ.د. عصام يحيى الفيلالي

أستاذ سابق – جامعة الملك عبدالعزي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى