المقالات

سلامٌ على نهج الملوك… من صحراءٍ أنجبت العزّة إلى مجدٍ لا يغيب

نحن أبناء الصحراء التي لا تهاب الريح.
من رمالها خرجت راية التوحيد، ومن قساوتها وُلدت الرجولة.
من شمسها خرج رجالٌ يسيرون على الرمضاء ولا تنحني جباههم إلا لله.
نحن البدو الذين إذا وعدوا صدقوا، وإذا قاتلوا أنصفوا، وإذا صافحوا صافحوا من موضع قوة.
صحراؤنا ذاكرة خالدة تروي حكاية البدايات الأولى، ومنها قامت دولة بُنيت على الإيمان والعهد.

من سنام هذه الصحراء ارتفعت معجزاتها.
هنا نزل الوحي أول مرة، وهنا سار إبراهيم في دعوته، ومن هنا خرج آخر الأنبياء برسالة أشرقت على العالم.
هذه الأرض قسمٌ من معجزاته وسطرٌ من كتاب الله في التاريخ.
كما جعل الله في الجمل آية على الصبر، جعل في أهل الصحراء آية على الثبات والعزة.
يقف أحدهم في وجه العاصفة فيبقى، لأن العزم عنده كالرمل، كلما عصفت الرياح ازداد تماسكًا.

من عبدالعزيز الذي وحّد الجزيرة وكتب عام 1937 رافضًا تقسيم الأرض المقدسة، إلى سعود الذي رفع الصوت العربي ووحّد الصفوف، إلى فيصل الذي جعل النفط سلاحًا للأمة وقال كلمته الخالدة: «إذا قطعتم النفط فلن نقطع الصلاة.»
ثم خالد الذي جمع الصفوف، وفهد الذي حمل الموقف إلى المحافل الدولية، وعبدالله الذي دوّن مبادرة السلام العربية فصارت وثيقة للشرعية، وسلمان الذي ثبّت النهج وأعاد الهيبة، ومحمد بن سلمان الذي أوصل المسير إلى قمته فحوّل الرؤية إلى واقع والمبدأ إلى نهج عالمي.

هي سلسلة ملوك تتكامل كما تتكامل حلقات السيف.
كل واحد منهم أضاف لبنة في جدار اسمه فلسطين.
منذ التأسيس كانت فلسطين في قلب الدولة ووجدان شعبها.
في القصور كما في المساجد، في المؤتمرات كما في الدعاء، رأت المملكة في نصرة المظلوم واجبًا وفي الدفاع عن القدس شرفًا لا يُمس.

في الثالث عشر من أكتوبر 2025 اجتمع العالم في شرم الشيخ.
كان الحضور السعودي عنوان القمة وروحها.
تُلي إعلان السلام والازدهار في غزة فكان ميلادًا لمرحلة جديدة في المنطقة: وقف إطلاق النار، انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية، تبادل للأسرى، فتح للمعابر، وصندوق دولي لإعمار غزة شاركت فيه السعودية وقطر والإمارات والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بإشراف الأمم المتحدة.
كانت النتيجة ثمرة جهد دبلوماسي صامت امتد شهورًا من العمل السعودي.
جهد لم يُعلن في المؤتمرات، صنع في الكواليس بعزيمة تعرف طريقها.

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب في ختام القمة: «هذا يوم سيخلده التاريخ، إنه بداية جميلة لشرق أوسط جديد.»
وأضاف أمام القادة: «أشكر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي خطا خطوات جبارة في سبيل تحقيق السلام في غزة. تحدثت معه هاتفيًا، إنه يقوم بعمل عظيم لبلاده، وهو صديق خاص قام بعمل عظيم.»
كانت كلماته اعترافًا علنيًا بدور المملكة التي تتحدث بالأفعال لا بالأمنيات.

الظهور الرمزي لولي العهد من مكتب الملك فيصل قبل أكثر من عام من القمة كان رسالة تتجاوز الصورة.
من ذلك المكان الذي غيّر موازين العالم، تحدث قائد يحمل فكر فيصل وشجاعة عبدالعزيز.
أكد أن السياسة السعودية تصنع القرار حين يسكن الضجيج.
كما استخدم فيصل النفط ليكسر المعادلات الظالمة، تستخدم القيادة اليوم ثقلها الاقتصادي ومشاريعها الكبرى لتعيد صياغة ميزان العدالة في المنطقة.
السلام يُنتزع بالحق، والهيبة تُبنى بالثقة والفعل.

في ذاكرة الدبلوماسية يظل سعود الفيصل شاهدًا على مدرسة لا تموت.
كان إذا صعد المنبر أنصت العالم. كلماته بيانات وصمته موقف. عندما رحل، كتب الدبلوماسيون: «برحيله ماتت الدبلوماسية السعودية.»
لكن الدبلوماسية هنا خُلقت مع هواء هذه الأرض، تسري في أبنائها ولا تنقطع.
ولو عاد سعود الفيصل اليوم لرأى أن نهجه يعيش في جيل فاوض بعقل فيصل وثبت بثقة عبدالعزيز وعمل بعزم محمد بن سلمان.

وهذه الأرض منذ نشأتها مهوى القلوب ومهد الرسالة.
تجمع بين الحرمين الشريفين وتبسط ظلها على القدس الشريف، تصل ما انقطع بين أول بيت وُضع للناس وأولى القبلتين. حافظت على عهدها لأنها تعرف أن الله يرى العمل قبل أن يراه الناس.

﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾

هذه الأرض عملت فشهد الله، وثبتت فشهد التاريخ، وسارت فشهدت الأمم أن العزة ما زالت هنا.

*إلى أبناء هذه الأرض:* احملوا الراية كما حملها آباؤكم، واكتبوا المستقبل كما كتبوا التاريخ.
اثبتوا كما ثبتوا، واعملوا كما عملوا، فأنتم أبناء ملوك لا يركعون إلا لله، وأحفاد رجال جعلوا الصحراء طريقًا إلى السماء.

*وإلى المسلمين في كل مكان:* هنا مكة، وهنا المدينة، وهنا القدس التي تسكن في الدعاء، ومن هنا تبدأ الرسالة التي لا تموت.
نحن لا نطلب اعترافًا من أحد، فالله كتب شهادة هذه الأرض في التاريخ منذ أن أنزل فيها الوحي وأقام عليها قبلة المسلمين.

هنا المملكة العربية السعودية، أرض وُلد فيها الإيمان ونشأ فيها الكرم وحُفظ فيها العهد.
منها خرجت الرسالة، وفيها يبقى النور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وسلامٌ على نهج الملوك،
سلامٌ على الصحراء التي أنجبتهم،
*سلامٌ على سنامٍ رفع الرؤوس،
وسلامٌ على أمة خُلقت لتقود لا لتتبع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى