المقالات

عبدالله بن عمر نصيف.. مدرسة لم تُغلق أبوابها

تلميذ الدكتور عبدالله عمر نصيف (رحمه الله)

في رحلة العمر، يمر الإنسان بمعلمين كثر، ولكن قلّة منهم فقط يتركون أثراً يجعل منهم “مدرسة” متكاملة، تظل أبوابها مشرعة للعطاء والفكر حتى بعد رحيلهم. معالي الدكتور عبدالله بن عمر نصيف -رحمه الله- كان واحدة من تلك المدارس الفذة؛ لم يكن مجرد أستاذ في الجيولوجيا، بل كان واحةً للعلم والأخلاق يردها طلاب المعرفة على مدى نصف قرن.

من قاعة المحاضرات إلى سدة الإدارة:
التقيت به لأول مرة وأنا فتى يافع في رحاب جامعة الملك عبدالعزيز، حيث كان أستاذاً في قسم الجيولوجيا يشرح مواد علوم الأرض بعقل العالم وقلب المربي. لكن هذه كانت البذرة. ولذلك سرعان ما رأيناه يرتقي في المناصب القيادية: أميناً عاماً للجامعة، فوكيلاً، فمديراً. وفي كل موقع، كان الرجل درساً عملياً في القيادة الحكيمة ، والمسؤولية المؤتمنة على المصلحة العامة.

عطاء متدفق.. من الجامعة إلى العالم الإسلامي:
لم يحصر معالي الدكتور نصيف ( يرحمه الله) عطاءه داخل أسوار الجامعة، بل جعل منه رسالة ممتدة. داخل الجامعة وخارجها حتى اننقل منها ليقود رابطة العالم الإسلامي، ( كأمين عام لها) فتعلمنا منه كيف تكون الوحدة الإسلامية هدفاً استراتيجياً وكطف يمكنه جميع شمل كلمتهم بالحكمة والموعظة الحسنة . ثم بعد انتقالة للعمل نائباً لرئيس مجلس الشورى، كان نموذجاً للسياسة الرشيدة والحكيمة في اتخاذ القرار. الأجمل من ذلك، أنه لم ينسَ أبداً جذوره الأكاديمية، فعاود التدريس متعاوناً في كلية علوم الأرض، مؤكداً أن العالم الحقيقي لا يغادر مدرجة العلم أبداً.

الدروس التي لا تُمحى.. من الصخور إلى السيرة النبوية:
منه تعلمت تخصصي الدقيق في الجيولوجيا، لكن منه أيضاً تعلمت “علم الحياة”. اجتمع على حبه واحترامه الطلاب، وأعضاء هيئة التدريس، والإداريون، بل وحتى العمال. كان خلقه ترجمة عملية لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ متواضعاً في علوه، حليماً في قدرته، عف اللسان، طيب القلب. كان يردد دائماً أن الأخلاق هي حجر الأساس لكل نجاح، وهي الإرث الوحيد الذي لا يفنى.

القيادة في الميدان: من البرج العاجي إلى ساحات الخدمة
لم يكن أكاديمياً منعزلاً، بل كان قائداً ميدانياً. في نشاطات الحركة الكشفية، غرس فينا قيم الانضباط والعمل الجماعي. وفي ميادين العمل الخيري، أسس و قاد هيئة الإغاثة الإسلامية العالمية، لتصبح خلال سنوات قليلة إحدى أهم منظمات الإغاثة على مستوى العالم الإسلامي، معلماً معلمتً في الإدارة الناجحة هي التي تضع “الرحمة” في صلب أولوياتها.

الفراق.. ومدرسة باقية

“طيباً حياً وميتاً”.. هذه ليست مجرد كلمات نرددها، بل هي الحقيقة التي عشناها. فراقك يا أستاذي الجليل لوعة، ولكننا على يقين بأن مدرستك لم تُغلق أبوابها. فكل طالب من طلابك، وكل موقف أخلاقي، وكل قرار سديد اتخذناه مستلهمين منك، هو فصل حي من فصول هذه المدرسة الخالدة.

رحمك الله يا معلم الأجيال،
وأسكنك فسيح جناته.
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

أ.د. عصام يحيى الفيلالي

أستاذ سابق – جامعة الملك عبدالعزي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى