
تعيين سفير خادم الحرمين الشريفين لدى المملكة الأردنية الهاشمية نايف بن بندر السديري سفيرًا فوق العادة وغير مقيم لدى دولة فلسطين وقنصلاً عامًا لمدينة القدس يُشكل خطوة هامة على صعيد تطور العلاقات السعودية – الفلسطينية لجهة القفز بمستوى تلك العلاقات إلى مستوى يُتيح المزيد من التعاون والتشاور بين البلدين، إلى جانب ما يعنيه القرار الصادر بهذا الشأن من اعتراف واضح وصريح من قبل السعودية بأن القدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين، وهو ما يجعل قرار إسرائيل بأن القدس الموحدة عاصمة إسرائيل الأبدية بلا معنى ولا مضمون، إذ إن المتوقع أن تُسارع العديد من الدول العربية والإسلامية ودول العالم بحذو حذو المملكة في تعيين قناصل لها في القدس الشرقية من خلال بوابة عمان، وهو ما من شأنه نزع الشرعية عن اعتبار إسرائيل القدس الموحدة عاصمة لها.
القرار السعودي يأتي في توقيت حساس للغاية؛ حيث أصبحت اقتحامات قوات الاحتلال والمستوطنين للمسجد الأقصى والاعتداء على المصلين حدثًا شبه يومي، مع تفاقم مشكلة حي الشيخ جراح، وعمليات هدم إسرائيل للبيوت في القدس الشرقية، ومصادرة البعض الآخر، وتواصل عمليات تهويد المدينة وتغيير معالمها التاريخية والأثرية، وتوسيع الاستيطان.
هذه البادرة السعودية الجديدة تُشكل خطوة السعودية الثانية في مواجهة قرار الرئيس ترامب في 6 ديسمبر 2017 اعتبارالقدس بشطريها عاصمة إسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إلىها، أما الخطوة الأولى فكانت إطلاق “قمة القدس” على القمة العربية في الظهران عام 2018 كرد فعل على قرار الرئيس ترامب، ويرى المراقبون أن الخطوة السعودية الجديدة تُعتبر بمثابة رسالة إلى إسرائيل بأن لا تطبيع معها إلا بإقامة الدولة الفلسطينية بعاصمتها القدس الشرقية وفقًا للمبادرة العربية للسلام.
وتجدر الملاحظة هنا إلى أن شروط السعودية للتطبيع مع إسرائيل، لا تقتصر فقط على إقامة دولة فلسطينية على أراضي الخامس من يونيو 67 بعاصمتها القدس الشرقية، وإنما أيضًا، وطبقًا للمراقبين، حصول السعودية من الولايات المتحدة على ضمانات أمنية، ومساعدة في تطوير برنامج نووي مدني.
وتدرك الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل أن السياسة السعودية الآن لا تقدم أي تنازل بلا مقابل، وأن المقابل للتطبيع هو تحقيق هذين الشرطين. وتعلم واشنطن وتل أبيب أيضًا أن لا قيمة لتطبيع عربي بدون التطبيع مع السعودية وفقًا للمعادلة “لا تطبيع بدون السعودية”، فالسعودية صاحبة أقوى اقتصاد في المنطقة، وهي البلد الوحيد من بلدان الشرق الأوسط المستقرة سياسيًا وأمنيًا، إضافة إلى أنها أصبحت إحدى عواصم القرار الدولي من خلال مكانتها المتميزة على الخريطة الدولية.
قرار الخارجية السعودية الجديد إثبات على رسوخ العلاقات السعودية – الفلسطينية، ومقياس آخر لمتانة وصلابة العلاقات بين البلدين والشعبين الشقيقين.