المقالات

أما آن للشعب الفلسطيني أن يتحرر وتنتهي معاناته؟

في فترة متزامنة متقاربة كان هناك زيارة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب لثلاث دول خليجية أولها المملكة العربية السعودية، وقمة خليجية بحضور ترامب، وذكرى النكبة، وقمة عربية في بغداد، وعلى هامش تلك الأحداث كان هناك في عمان مؤتمرًا بعنوان “القدس إلى أين؟” لإحياء القدس في الذاكرة العربية والإسلامية. وكل ذلك تم في غضون أيام قليلة تكاد تكون متشابكة. لكن في خضم تلك الأحداث رب قائل: وما أهمية تلك الأحداث بالنسبة للمواطن العربي؟ هل ستعيد للأمة وحدتها وكرامتها وهيبتها؟… هل ستضع حدًا للإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني جهارا نهارًا تحت أعين وأنظار العالم كله دونما أي اعتبار للقوانين والمعاهدات والأعراف والمواثيق والقرارات الدولية ؟
في اعتقادي إن لم يكن لتلك الأحداث أي نتائج إيجابية على صعيد وضع حد للصلف والعنجهية الإسرائيلية، ووقف العدوان والحصار الظالم وعمليات التدمير المنهجي لكل ما هو فلسطيني أرضًا وإنسانًا وبنية تحتية ، فإنه يمثل رسالة وإشارة وإنذارًا للعالم كله بأن الكيل قد طفح ، وأنه في ظل هذا الظلم الصارخ المتواصل لا يمكن لأي إنسان التنبؤ بما يمكن أن يحدث للمنطقة وللعالم إذا استمرت الحال على ما هي عليه، فالمفاجآت من كل نوع واردة، وهو أيضًا رسالة للضمير الإنساني بأن على العالم أن يستيقظ من سباته العميق، وأن يستشعر مسؤولياته حيال اغتيال حرية الإنسان في فلسطين وتحدي الصهيونية للقانون الدولي الإنساني ومبادئ حقوق الإنسان والشرائع السماوية.
لنا أن نستذكر بأن جوهر مشروع “القدس في الضمير”، الذي تم تأسيسه تحت مظلة منتدى الفكر العربي منذ أكثر من 20 عاما، كان يهدف إلى تثبيت القضية الفلسطينية والقدس في الذاكرة الجماعية لهذه الأمة وللعالم كله. وهذا ما يحدث الآن لكنه ليس كافيًا.
لذلك نستطيع القول إن لم يكن لهذا الحراك العربي النشط تأثيرات إيجابية مباشرة، إلا أنه على الأقل، يساعد على إبقاء القضية الفلسطينية حية في ضمير ووجدان العالم الذي يدرك جيدًا أن دولة فلسطين موجودة على الخريطة الدولية منذ آلاف السنين، وأن العرب اليبوسيون سكنوها قبل العبرانيين بآلاف السنين باعتراف التوراة نفسها.
هناك أصواتًا بدأت تعلو، وتلقي بضوئها وتكشف حقيقة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي في المرحلة الراهنة ، مثل تصريحات رئيس الوزراء الإسباني الموجهة لإسرائيل التي صدرت مؤخرًا ، ومثل مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه الذي لم يعد يخفي امتعاضه من سلوكيات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهناك رسالة مهرجان كان التي تم توقيعها من قبل 350 من فناني وصانعي السينما في هوليوود التي يدينون فيها ما وصفوه بالتأثير القاتل للصمت على ما يحدث في غزة في ظل العدوان المتواصل على القطاع، مع استمرار المظاهرات في أنحاء أوروبا المنددة بالعدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة والضفة الغربية وتجويع أهالي القطاع وحرمانهم من الدواء والعلاج، والتهديد بتهجيرهم، وذلك إلى جانب موقف المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية؟
وفي الواقع يمكن القول دون أدنى مواربة أن العدوان الإسرائيلي المتواصل على الفلسطينيين الذي بدأ قبل 77 عامًا ووصل إلى ذروته في حرب السابع من أكتوبر 2023 أدى إلى تغيير جوهري في الرأي العام العالمي، حيث لم تعد الدعاية الصهيونية التي كانت توصف دومًا بأنها الأكثر تأثيرًا على مستوى العالم بأنها فاعلة، بعد أن شاهد العالم بأسره الصور الحية لأكبر عملية إبادة جماعية وترانسفير في التاريخ المعاصر. لقد استمر الهولوكوست النازي ضد اليهود بضع سنوات، لكن الهولوكوست الصهيوني ضد الفلسطينيين ما زال مستمرًا منذ أكثر من سبعة عقود متواصلة دون أن تسأل إسرائيل أو تحاسب أو تعاقب من قبل المجتمع الدولي الذي بات عليه لزامًا الآن التدخل لوقف هذه المهزلة الإنسانية والأخلاقية قبل فوات الأوان.

د. إبراهيم فؤاد عباس

مؤرخ ومترجم وكاتب - فلسطين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى