لم يعد يخفى على أي مراقب تراجع دور الجامعة العربية إلى الحد الذي جعلها تقف عاجزة أمام تحديات كبيرة لم تعد قادرة على مواجهتها، مما أدى إلى تراجع دورها كأداة لحل القضايا العربية، فمنذ إنشائها عام 1945 وفي عهد أمينها العام الأول عبد الرحمن عزام لم تصل الجامعة العربية إلى هذا الحد من الشلل السياسي الذي وصلت إليه خلال السنوات الأخيرة الماضية. وهنا ينبغي التأكيد على أهمية الأمين العام للجامعة العربية من خلال وصف أمينها العام الأول د. عبد الرحمن باشا عزام، فقد كان جهده في إنشاء هذه الجامعة يرقي إلى جعله من أبرز مؤسسيها الحقيقيين، وقد طبع نشاطها في فترة توليه أمانتها بفكره السياسي المنتمي الذي بلور تاريخه العروبي والإسلامي، وكفاحه الطويل من أجل القضايا العربية، وقد ساعده تاريخه المتألق على النجاح، كما ساعده ما تميز به علي المستوي الشخصي فقد كان شخصية قيادية بارزة، وكان يتحلى بفضيلة الأدب، ، وقدرة علي الاستماع والإنصات واحترام رأي الآخر، وكذا من جاء من بعده في رئاسة الأمانة العامة للجامعة حتى عهد قريب.
هذا التراجع الكبير في دور الجامعة خلال السنوات الأخيرة أدى إلى الدعوة إلى إصلاحها وإعادة هيكلتها بالكامل على الأصعدة المالية والإدارية والسياسية وإلى إعادة التفكير جديًا في إعادة تفعيل دورها العروبي لجعلها على مستوى التحديات الراهنة. ولا شك أن جامعة الدول العربية – وفق ما يراه البعض- بصيغتها ودورها الحالي تُعد عبئًا أكثر من كونها مؤسسة فاعلة ومؤثرة في العمل العربي المشترك. وهناك مطالبات لإنشاء “لجنة عربية بإصلاح وتطوير جامعة الدول العربية” بما في ذلك ميثاقها.
وللتذكير عندما عقدت مصر اتفاقية كامب دافيد ووقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل قرر العرب نقل مقر الجامعة العربية إلى تونس وتعيين أمين عام تونسي للجامعة هو الشاذلي القليبي، وأتاح ذلك للجامعة مواصلة دورها العروبي ، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية التي كانت إحدى الأسباب الرئيسة التي دعت الدول العربية إلى إنشاء الجامعة العربية. وهنا ينبغي القول دون أي مواربة أن قوة وفاعلية الجامعة العربية تستمد من قوة وفاعلية أمينها العام، يعني باختصار شديد الجامعة في حاجة – وبالدرجة الأولى – إلى أمين عام يجسد شخصية سياسية قديرة مميزة وغير متحيزة مشهود لها بالكفاية والدراية حتى تمارس دورها بالشكل المأمول.
هذه الخلفية تدفعنا إلى طرح السؤال من هي الشخصية الجديرة المرشحة لخلافة أحمد أبو الغيط،؟ وهل يشترط أن تكون مصرية؟ وهل تنص بروتوكلات الجامعة على ضرورة أن يشغل منصب الأمين العام للجامعة شخصية مصرية؟.. وهل تنص تلك البروتوكلات على أن تكون القاهرة مقر دائم للجامعة؟… الجواب بلا النافية، والدليل نقل المقر ومنصب الأمين العام خارج مصر بعد توقيع اتفاقية كامب دافيد. اليوم هناك رأي ينمو بقوة ينادي بأهمية التغييروالإصلاح، وضرورة اختيار أمين عام للجامعة العربية يكون في مستوى الأمناء الأوائل الذين كانوا يخدمون رسالة الجامعة وأهدافها في حل القضايا والخلافات العربية وتوحيد الصف العربي. وأرى ، وكما يرى الكثيرون، أن الشخصية العربية الجديرة بشغل هذا المنصب هي السيد عادل الجبير الذي سبق وأن شغل منصب وزير الخارجية السعودي، والمشهود له بأنه من أبرز الشخصيات السياسية العربية حنكة وخبرة ومهنية، وهو رجل دولة من طراز فريد، وشخصية فذة تتسم بالاتزان، وبرؤيته العميقة لقضايا الأمة. كما أن توسع الدور السياسي السعودي الذي جعل الرياض من أبرز عواصم القرار إقليميًا ودوليًا، يجعل العاصمة السعودية مقرًا مناسبًا ولائقًا للجامعة العربية.