الثقافيةحوارات خاصة

الدكتورة هبة صادق: الذكاء الاصطناعي أحدث تحولاً جذرياً في العلاقات العامة

القوة الناعمة تعتمد على الإقناع والجاذبية

حوار ـ محمد إبراهيم بربر

في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها العالم في مجالات الإعلام والتواصل، يبرز دور القوة الناعمة كعنصر محوري في تشكيل العلاقات الدولية، خاصة في ظل التنافس بين القوى العالمية الكبرى. ومن بين النماذج اللافتة للنظر، التجربة الصينية التي باتت تمثل نموذجاً رائداً في استخدام القوة الناعمة لتعزيز مكانتها على الساحة الدولية، لا سيما في الدول ذات الأهمية الاستراتيجية مثل مصر.

التقت صحيفة مكة بالدكتورة هبة صادق عبد المجيد، الحاصلة على درجة الدكتوراة في الإعلام من كلية الإعلام بجامعة القاهرة، والمتخصصة في العلاقات العامة والإعلان.
تحمل الدكتورة هبة صادق خبرة أكاديمية ومهنية ثرية، حيث تعمل كمدرس للاتصالات التسويقية المتكاملة ومحاضر بالمركز الثقافي الصيني بالقاهرة.
وقد تناولت في أطروحتها للدكتوراة موضوع “اتصالات القوة الناعمة الصينية في مصر ودورها في تعزيز قدرتها التنافسية”، مما يجعلها واحدة من أبرز الباحثين المتخصصين في هذا المجال، إلى الحوار:

س: دكتورة هبة، بدايةً نود أن نعرف المزيد عن كتابكم “اتصالات العلاقات العامة وإدارة الأزمات في عصر الذكاء الاصطناعي”. ما الفكرة الرئيسية التي ينطلق منها هذا الكتاب؟
ج: الكتاب يهدف إلى استكشاف دور الذكاء الاصطناعي في تطوير العلاقات العامة وإدارة الأزمات، مع التركيز على كيفية تسخير الأدوات التكنولوجية لتحسين استراتيجيات الاتصال. أردت أن أقدم للقارئ تصوراً متكاملاً حول التحولات الكبيرة التي يشهدها هذا المجال، وكيف يمكن للمؤسسات الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للتعامل مع التحديات المعاصرة بشكل أكثر كفاءة وابتكاراً.

س: كيف غيّر الذكاء الاصطناعي مفهوم العلاقات العامة كما نعرفه؟
ج: الذكاء الاصطناعي أحدث تحولاً جذرياً، فهو يمكن المؤسسات من معالجة كميات ضخمة من البيانات بسرعة ودقة غير مسبوقتين. اليوم، يمكننا تحليل مشاعر الجمهور وتتبع أنماط السلوك بشكل دقيق، مما يتيح التخطيط الفعّال للحملات الإعلامية. على سبيل المثال، أدوات التحليل التنبئي مثل TensorFlow تتيح التنبؤ بالأزمات المحتملة، مما يمنح المؤسسات وقتاً للاستعداد وتقليل الأضرار.

سمعة المؤسسات وإدارة الأزمات
س: ما أبرز التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي في إدارة الأزمات؟
ج: أحد أبرز التطبيقات هو القدرة على مراقبة وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل آني. يمكن للذكاء الاصطناعي تحديد الموضوعات التي تشكل خطراً على سمعة المؤسسة وتصنيفها حسب أولويتها. أيضاً، هناك تطبيقات متطورة لتحليل البيانات يمكنها تحديد أفضل استراتيجية للتعامل مع الأزمة، سواء كانت أزمة تتعلق بمنتج معين أو صورة المؤسسة العامة.

س: في سياق القوة الناعمة، ما هو الدور الذي تلعبه العلاقات العامة في تعزيز صورة الدول على المستوى الدولي؟
ج: العلاقات العامة هي القلب النابض للقوة الناعمة، حيث تقوم ببناء صورة ذهنية إيجابية للدول من خلال الترويج لثقافتها وقيمها وإنجازاتها. القوة الناعمة تعتمد على الإقناع والجاذبية، وليس الإكراه. اليوم، نجد دولاً كالصين والولايات المتحدة تستثمر بشكل كبير في أدوات القوة الناعمة، مثل الإعلام والثقافة والرياضة، لتعزيز نفوذها على الساحة الدولية.
س: كيف يمكن لدولة ما استخدام القوة الناعمة لحل الأزمات الدولية؟
ج: الحل يكمن في تعزيز القيم الإنسانية المشتركة والتواصل الثقافي. على سبيل المثال، يمكن استخدام الفن أو الرياضة كجسر للتفاهم بين الشعوب. أيضاً، الإعلام يلعب دوراً محورياً في تقديم صورة إيجابية للدولة، مما يساعد في بناء جسور الثقة مع الشعوب الأخرى. الدول التي تتبنى هذا النهج تستطيع تعزيز نفوذها الدولي دون الحاجة لاستخدام القوة الصلبة.

الصين والقوة الناعمة
س: ذكرتِ الصين كمثال على استخدام القوة الناعمة. ما الذي يجعل تجربتها مميزة؟
ج: الصين مثال رائع لأنها استطاعت الدمج بين القوة الاقتصادية والقوة الناعمة. من خلال مبادرات مثل الحزام والطريق، تُظهر الصين اهتماماً بالتعاون والتنمية المشتركة. بالإضافة إلى ذلك، استثمرت الصين في الإعلام الدولي مثل قناة CGTN، لتعزيز سردية خاصة بها، تروج للسلام والتنمية.
س: كيف ترين مستقبل العلاقات العامة في ظل هذا التقدم التكنولوجي؟
ج: المستقبل يحمل الكثير من التحديات والفرص. أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيصبح أداة أساسية لكل محترفي العلاقات العامة. ولكن النجاح سيعتمد على مدى قدرة المؤسسات على المواءمة بين التكنولوجيا واللمسة الإنسانية. الذكاء الاصطناعي يمكنه أن يقدم بيانات دقيقة، لكن الإبداع والمرونة سيظلان من اختصاص البشر.
س: هل ترين أن الذكاء الاصطناعي قد يحل محل العنصر البشري في مجال العلاقات العامة؟
ج: لا أعتقد ذلك. الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في تسريع العمليات وتوفير البيانات، لكنه لا يمكنه استبدال الحس الإنساني والإبداع الذي يتطلبه هذا المجال. العلاقات العامة تعتمد على بناء العلاقات والثقة، وهذه جوانب لا يمكن للتكنولوجيا وحدها تحقيقها.

القيم الإنسانية في هذا العصر الرقمي
س: ما النصيحة التي تقدمينها للمحترفين في هذا المجال للتكيف مع هذه التطورات؟
ج: أنصحهم بالتعلم المستمر. عليهم فهم الأدوات التكنولوجية الحديثة وتطوير مهاراتهم في التحليل والتخطيط. أيضاً، يجب أن يكون لديهم وعي بأهمية القيم الإنسانية في هذا العصر الرقمي، فالنجاح يكمن في التوازن بين التكنولوجيا والإنسانية.
س: أخيراً، ما هو حلمك أو رؤيتك المستقبلية لهذا المجال؟
ج: أحلم بعالم تكون فيه العلاقات العامة أداة للتواصل الفعّال بين الثقافات والشعوب، وتساهم في تحقيق التفاهم والسلام. أتمنى أن نصل إلى مرحلة يتم فيها استخدام التكنولوجيا لتعزيز القيم الإنسانية، وليس فقط لتحقيق الأرباح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى