المقالات

تحديات التعليم ..”نحن في خطر”

قد يبدو هذا العنوان غريبًا للوهلة الأولى، لكنه في نظري يُعد من أكثر العناوين دقةً في التعبير عن الإشكالية الحقيقية لتدني مستوى مخرجاتنا التعليمية.
ذلك أننا حين نناقش هذه القضية ندور في دائرة مغلقة! فالجامعات تلوم المدارس على ضعف مستويات خريجيها، والمدارس تلوم الجامعات لأن المدرسين هم من خريجيها! وهكذا نبقى في جدلية الدجاجة والبيضة.. وأيهما كان قبل الآخر!.
وعلى الرغم من أن التعليم العام والعالي يتحمل قدرًا غير قليل من المسؤولية، إلا أن ثمة قدرًا من المسؤولية تقع على مجتمعنا السعودي نفسه.
مجتمعنا يحمل قدرًا كبيرًا من التقدير والإعجاب والإكبار للطبيب والمهندس، وقدرًا كبيرًا من اللامبالاة بالمعلم!.
فعندما يتخرج الأبناء بامتياز فإن الوالدين والأقارب والأصدقاء ينتظرون منهم أن يكونوا أطباء أو مهندسين، ولو فكر واحدٌ منهم أن يدخل كلية المعلمين، أو كليةً نظريةً تنتهي به إلى التدريس فإنّه سيواجهُ صدوداً عنيفاً، أو على الأقل تعجبًا واستغرابًا.. وربما اتهامًا بقصر النظر!.
والنتيجة الطبيعية لهذا الضغط المجتمعي أن يتوجَّه النوابغُ والأذكياء والأكْفاء إلى الكليات الطبية والهندسية وما إليها، وتبقى كليات المعلمين والكليات النظرية التي تخرج المعلمين موئلاً للضعفةِ والكسالى وأصحاب المعدلات المتدنية.
والنتيجة النهائية.. تكون ضعفُ مخرجات التعليم العام الذي يقوم عليه أساتذةٌ لم يسقهم إليه إلا تدني تقديراتهم وضعف مستوياتهم!.

حين شعرتْ أمريكا بالخطر عام 1981 بسبب هزيمة طلابها في المسابقات الدولية أمام اليابانيين والكوريين شكلتْ لجاناً عليا لدراسة واقع التعليم لديها، وفي عام 1983 صدر التقرير الشهير: (أمة في خطر) الذي يعد علامة فاصلة في تاريخ التعليم الأمريكي، فقد شخَّص واقع التعليم الأمريكي بشفافية.
مما جاء في التقرير :”أنه لأول مرة في مسيرة التعليم العام بأمريكا سيتخرج جيل لا يتفوق على آبائه، وحتى لا يساويهم أو يدانيهم في المهارات والمعارف والقدرات”.
ومن بين عبارات التقرير المهمة : “لا ينجذب نحو مهنة التدريس العدد الكافي من الطلاب القادرين أكاديميا، وأن عددًا كبيرًا ممن اجتذبتهم مهنة التدريس هم من الربع الأدنى أكاديميًا من خريجي المدارس الثانوية والجامعات”.
وبناءً على ذلك ارتفعتْ معايير القبول في الكليات التربوية التي تخرِّجُ المعلمين، بحيث أصبح القبول في هذه الكليات أمراً عسيراً، ولا يقدر عليه إلا ذوو العقول والمواهب، واستطاع ذلك أن يرجع للتعليم الأمريكي بعض وهجه.
في الضفة الأخرى من العالم.. تأتي دولةٌ (سنغافورة)، البلد الصغير والفقير، حوّله التعليم إلى حلم بشري؛ من أبرز مميزات التعليم في سنغافورة وضع شروط صارمة للالتحاق بكليات التربية وإعداد المعلمين، مع تطبيق معايير أكثر تشددًا لاستكمال الدراسات العليا في المجال التربوي.
اليابان أبدعت برنامجًا تربويًا وتعليميًا فريدًا، يبدأ من الروضة إلى الجامعة، جعلها في مقدمة الدول اقتصادياً وثقافياً.
إن قضية التعليم في أي أمة هي قضية استراتيجية تحتل الصدارة على أجندتها، ويكفي النظر إلى نسبة ما تنفقه دول العالم المتقدم على التعليم من اجمالي دخلها القومي.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى