من المعلوم بالقطع أن الدعوة إلى الله هي سبيل الأنبياء والصالحين، ومهمة المتقين والمصلحين، لكنها مقرونة بالحكمة ومضامينها العظيمة، كـالوسطية، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، ورجاحة العقل، واتزان السلوك، ومعالجة قضايا المجتمع المهمة.
ولذا، فإن الحديث عن الدعوة وأساليبها وطرق تطويرها يعد مطلبًا مهمًا وملحًا، خاصة مع التحولات الكبيرة التي يشهدها العالم، وتأثير التقنية العميق على حياة الناس وسلوكهم وتصرفاتهم، لا سيما في مجتمعنا السعودي. وهذا يعني ضرورة تطوير الخطاب الدعوي وتحسينه بما يتفق مع محتوى واتجاهات تلك التحولات.
وقد ظهر في الآونة الأخيرة مجموعة من الدعاة الذين خرجوا عن منهج الدعوة الصحيح إلى التندر والسخرية وإلقاء النكات المهترئة، بل حتى المجون الفاضح في بعض الأحيان، بحجة أنهم يريدون إثبات مرونة الخطاب الديني، والتكيف مع المجتمع، ومسايرة الناس، وإظهار اختلاف منهجهم عن التشدد والتطرف الذي مارسه بعض الدعاة في فترة الصحوة.
ويهدف هؤلاء إلى تحسين الصورة القاتمة التي رسمها بعض الدعاة عن الدين الإسلامي الحنيف، حيث كانوا يتبعون منهج التخويف والترهيب، وتجفيف منابع الأمل والخير والرحمات. غير أن هذا النهج أدى إلى خطأ جديد، حيث تحول بعض الدعاة من مصلحين إلى مهرجين، ينقلون النكات ومواقف السخرية، ويقومون بأدوار ترفيهية تخرجهم عن مهمتهم الأساسية.
وليس هناك إشكال في تنوع أساليب الدعوة، والتنقل بين الأساليب الدعوية بحسب التغيرات الاجتماعية والثقافية التي يمر بها المجتمع، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في تحول بعض هؤلاء الدعاة إلى مهرجين ومتندرين، وانحصر همهم في الحديث عن مغامرات وقصص شخصية، بعضها لا صلة له بالدين، ولا بالقيم والأخلاق الإسلامية، ولا بأعراف المجتمع السعودي الكريم.
وفي الحقيقة، فقد قامت وزارة الشؤون الإسلامية بجهود مشكورة في تنظيم وتطوير العمل الدعوي، مما أسهم في تغذية المجتمع بالعلم النافع وقيم الوسطية، وكان للفكر المستنير والشخصية المتزنة لمعالي وزيرها الشيخ عبداللطيف آل الشيخ الأثر البالغ في تحجيم تلك الفئة، وتنظيم العمل الدعوي بشكل مميز يتفق مع احتياجات المجتمع.
ورغم ذلك، لا تزال بعض المقاطع المنتشرة على المواقع الإلكترونية تمثل تهريجًا حقيقيًا، وتعد خدشًا لصورة الدعوة، وتشويهًا للإسلام، ولا تخدم أيًّا من أهداف النصح والدعوة والإرشاد، ولا تحقق أهدافًا تربوية أو توعوية واضحة، بل إن بعضها خادش للحياء، ومتناقض مع قيم المجتمع وثقافته.
ومما لا شك فيه أن الأمر يصل إلى درجة الخطورة عندما تكون هذه المقاطع تهكمًا بمظاهر وأحكام الدين، أو سخرية من دور العبادة، أو دعوة للرذيلة والإيحاءات الجنسية، وغيرها من السلوكيات الفاسدة التي تعكس اضطرابات عميقة في الشخصية، وتؤثر سلبًا على أخلاقيات المجتمع.
إننا نتأمل أن نرى دعاة على علم وبصيرة ورشد وحكمة، يلامسون قضايا المجتمع، ويعالجونها بروية وعقلانية، ولسنا بحاجة إلى أولئك الذين يستعرضون سيرهم الذاتية ومغامراتهم التي سترها الله عليهم، أو ينقلون روايات غير موثوقة عن ماضيهم قبل التوبة وغير ذلك.
وكم هي أمانينا كبيرة أن يتم التخلص من هذه الفئة، وتطبيق العقوبات الصارمة التي تتناسب مع حجم الضرر الذي ينشرونه في المجتمع، لا سيما ما يتعارض مع الأحكام الشرعية والذوق العام.