عام

الأمانة الضائعة.. هل أصبح الوفاء بالحقوق عملة نادرة؟

الأمانة من القيم العظيمة التي بني عليها الإسلام وهي تشمل جميع جوانب الحياة المختلفة من حفظ الحقوق إلى أداء الواجبات ومن الصدق في التعاملات إلى تحمل المسؤوليات. وقد جعل الله الأمانة معياراً للإيمان فقال في كتابه العزيز: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}.
فالأمانة ليست مجرد فضيلة أخلاقية بل هي أمر إلهي واجب التنفيذ وكل إخلال بها يعد خيانة شرعية وأخلاقية.

ومن أظهر صور الأمانة الالتزام بالحقوق المالية وأداء الديون. وقد أكد القرآن ذلك في قوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}. أي أنه إذا تم التعامل بين شخصين على أساس الثقة دون توثيق فإن الوفاء بالحق واجب على من أخذ المال.

كما شدد النبي ﷺ على هذا الجانب فقال: “مطل الغني ظلم” أي أن تأخير سداد الدين من شخص قادر على الوفاء ظلم بين يعرض صاحبه للإثم والمساءلة أمام الله والناس.

ورغم وضوح هذه النصوص نجد اليوم تفشي ظاهرة المماطلة في أداء الحقوق سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات. فكثير من الناس يستسهلون التأخير في سداد الديون والقروض رغم قدرتهم بل إن بعضهم يستغل القوانين والأنظمة للتهرب من حقوق الآخرين متناسين أن الله يرى وهو بكل شيء عليم سبحانه وتعالى لذلك تعد المماطلة ظلم يؤدي إلى تفكك الثقة بين الناس وتعطيل المصالح.

ليس ذلك فحسب بل نجد من يتلاعب بأموال الودائع والاستثمارات أو يتهاون في أداء الأمانة الوظيفية أو يبرر تأخير مستحقات العاملين والمستأجرين في صورة واضحة لتلاشي قيمة الأمانة في بعض المجتمعات.

ومن آثار التفريط في الأمانة
• سوء العاقبة في الدنيا والآخرة: فكما قال النبي ﷺ: “إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة”.
• فقدان الثقة وانتشار الشكوك بين الناس مما يؤثر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
• التعرض للعقوبات الشرعية والقانونية سواء كانت عقوبات دنيوية مثل الغرامات والسجن أو أخروية كالحساب والعذاب.

فالعودة إلى الأمانة سبيل النجاة

إن الأمانة ليست خياراً بل واجباً وإعادتها إلى مكانتها يتطلب إصلاحاً ذاتياً ومجتمعياً يبدأ من تربية الضمير وتعزيز الوازع الديني ويمتد إلى تفعيل القوانين التي تحمي الحقوق وتعاقب المماطلين.

فلنتذكر دائمًا قول النبي ﷺ: “آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان” فالمسلم الحق هو من يؤدي الأمانة كما أمره الله ويعلم أن الحساب قادم لا محالة في يومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون بل الأعمال الصالحة والأمانات المؤداة.

• عضو هيئة تدريس – جامعة المؤسس

أ.د. عصام بن إبراهيم أزهر

رئيس وحدة الكائنات المعدية مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى