المقالات

خدمة الحجاج والمعتمرين غايتنا الكبرى وهدفنا الأسمى

تحتل خدمة الحج والحجيج وتوسعة الحرمين الشريفين والسهر على أمن الحجيج والزوار والمعتمرين منذ دخولهم الديار المقدسة حتى عودتهم إلى بلادهم سالمين غانمين منعمين أولوية في سلم اهتمامات القيادة السعودية منذ عهد القائد المؤسس الملك عبد العزيز حتى هذا العهد الميمون، وأصبح مبدأ “الحج شرف ورسالة ومسؤولية ” شعارًا ترفعه القيادة والمواطن ورجل الأمن في آن. وقد استثمرت المملكة مليارات الريالات في توسعة وتحسين مرافق الحج وتوفير الخدمات للحجيج بما في ذلك المشروعات التي تسهل للحجاج والمعتمرين أداء مناسكهم مثل مشروع قطار الحرمين الشريفين، وشبكات الطرق، والمرافق الصحية. ومن أحدث هذه الخدمات التي تحققها حكومة خادم الحرمين الشريفين، توفير خدمة الإسعاف الجوي المخصص لإخلاء الحالات المرضية الواقع ضمن التوسعة الثالثة ونقلها إلى المستشفيات لتلقي العلاج في أوقات الذروة أثناء المواسم.
وقد لخص الملك سلمان المعنى الكبير الذي ينطوي عليه مفهوم الحج لديه بقوله :”لقب خادم الحرمين الشريفين شرف كبير ومسؤولية عظيمة”، وهو ما جعله يضع خدمة الحجاج والمعتمرين أولوية في سلم اهتماماته . والمتتبع لملف الحج في المملكة يدرك أنه كان لكل ملك من ملوك الوطن بصمته ومساهمته في هذا المجال التي سيخلدها التاريخ، وسيكتشف أن عدد الحجاج والزوار والمعتمرين يزداد عامًا بعد عام بشكل متصاعد. وتزداد معه أعمال التوسعة ومجال الخدمات التي تقدمها الدولة للحجاج والمعتمرين، وأيضًا الأعباء الملقاة على عاتق الحكومة السعودية.
ويزداد عدد المعتمرين بشكل خاص في شهر رمضان، يقول ﷺ: عمرة في رمضان تعدل حجة وفي لفظ آخر: حجة معي فهذا يدل على فضلها، وأنها في رمضان لها مزية عظيمة، وأجر عظيم كالذي حج مع النبي ﷺ. ولذا يكثر عدد المعتمرين في هذا الشهر المبارك من كل عام. وقد تخطى عدد المعتمرين من زوار الحرمين الشريفين خلال شهر رمضان هذا العام 122 مليونًا مع العلم أن رؤية 2030 تقضي باستهداف 30 مليون معتمر سنويًا، وهذه الزيادة غير المسبوقة في عدد المعتمرين، ونجاح المملكة في ضبط وتنظيم هذه الجموع الغفيرة يعكس قدرتها الفائقة على التنظيم والتخطيط والإدارة، وهو يكشف عن قدرات المملكة في استيعاب أعداد أكبر في المستقبل.
بيد أن زيادة عدد المعتمرين في رمضان هذا العام بشكل غير مسبوق، أدى إلى ظهور العديد من السلبيات، فمن المعلوم ضمنًا أن مع هذه الزيادة الهائلة في عدد المعتمرين تصبح عملية الضبط والإشراف والمتابعة صعبة بشكل كبير، خاصة مع جهل الكثيرين بآداب أداء العمرة وقدسية التعبد في أقدس بقاع الأرض على وجه البسيطة. فهناك مقاطع انتشرت في عمرة هذا العام لتصرفات صادمة لبعض المعتمرين والزائرين وأطفالهم لا يمكن تصديقها كونها لا تليق بحرمة المكان ولا مكانته، كالتدافع الشديد، وتعمد دفع الآخرين ومعاكسة توجيهات المنظمين للدخول والخروج عند البوابات، ومسارات المشي والإصرار على الصلاة في أماكن الحركة المزدحمة، والازدحام والتدافع غير المعقول عند الحجر الأسود، بما يستوجب التوعية بآداب الحج والعمرة قبل الوصول إلى الأراضي المقدسة. ورغم هذا التحدي الكبير، ورغم تلك السلوكيات الخاطئة، إلا أن موسم العمرة حقق نجاحًا لافتًا هذا العام، فقد أحدثت رؤية 2030 نقلة نوعية غير مسبوقة في مختلف الخدمـات المقدمـة للحجـاج والمعتمرين، وأسهمت بشكل كبير في إتاحة الفرصة لأكبر عدد ممكن من المسلمين بمشارق الأرض ومغاربها لأداء فريضة العمرة بيسر وسهولة في ظل التطوير الكبير والمتسارع الذي يجري في مشاريع البنية التحتية للمدينتين المقدستين مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة وأيضا في مختلف منافذ الوصول والمغادرة وجميع السبل التي يسلكها ضيوف الرحمن منذ وصولهم وحتى مغادرتهم عائدين إلى أوطانهم بعد أداء الفريضة .
وقد أحسنت وزارة الحج والعمرة بالاستفادة من الأخطاء التي حدثت في موسم العمرة لهذا العام في اتخاذ العديد من الإجراءات التي من شأنها تلافي الوقوع في تلك الأخطاء، وتوفير المناخ الملائم لتحقيق كل مامن شأنه تهيئة الأجواء المناسبة لحج آمن ومنظم وسلس.
و تبقى التوعية بآداب الحج والعمرة سلوكًا وممارسة من الأوليات ويجب أن تناط بشكل أساس بدولة الحاج والمعتمر، ولنا في حجاج ومعتمري ماليزيا مثالاً يحتذى. ويستوجب حادث صفع المعتمرة لرجل الأمن ضرورة زيادة أعداد رجال الأمن في الحرمين الشريفين لمنع قيام بعض الزوار والمعتمرين والحجاج من القيام بتجاوزات ومخالفات أمنية، وقد رأينا صورًا مشرفة لرجل الأمن السعودي وهو يقوم بواجبه في خدمة ومساعدة الحجاج والزوار والمعتمرين، بما في ذلك حمل رجل الأمن لحاج مسن فوق ظهره، وحمل طفل ضائع والبحث عن والديه، وغير ذلك من المواقف الرائعة. وفي رأي ينبغي أن تبدأ التوعية للحجاج والمعتمرين من بلد المنشأ وتنتهي بفيلم موحد يعد خصيصًا للتوعية بآداب وسلوك الحج تنتجه المملكة ويعرض في سائر الرحلات الجوية التي تنقل الحجاج والمعتمرين إلى المملكة. ويبقى شعار “لا حج بدون تصريح” مبدأ أساس لا يمكن التهاون في تطبيقه حرصًا على أمن وسلامة الحجاج والمعتمرين. ومن أبرز الإجراءات التنظيمية التي اتخذتها السعودية لضمان عدم تخلف المعتمرين عن العودة إلى بلادهم بتحديد آخر موعد لخروجهم من المملكة وهو التاسع والعشرون من أبريل، فيما سيبدأ تنظيم الدخول إلى مكة للحجاج يوم الأربعاء في الثالث والعشرين من أبريل حيث لم يسمح بدخول مكة إلا لمن لديه تصريح عمل أو هوية أو مقيم في مكة أو تصريح حج ساري المفعول.
سيظل مبدأ الحج رسالة وشرف ومسؤولية شعار القيادة وكل مواطن ورجل أمن في هذا البلد الأمين، وستظل خدمة الحجاج والزوار والمعتمرين غاية كل مواطن في بلاد الحرمين الشريفين حتى يرث الله الأرض وما عليها.

د. سونيا أحمد مالكي

طبيبة - مديرة إدارة الصحة المدرسية بتعليم جدة سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى