من كان يظن قبل عقد مضى أن تتحول البيئة إلى ملف سيادي يتصدر أجندة السياسة والتنمية؟
اليوم، ومع تصاعد التحديات البيئية عالميًا، تتصدر المملكة العربية السعودية مشهدًا جديدًا من العمل البيئي، لا بوصفها مجرد “دولة نفطية”، بل كصاحبة رؤية تتقدم الصفوف، وتعيد تعريف علاقتها بالبيئة من منطلق الريادة لا المسايرة.
لقد غيّرت رؤية المملكة 2030 قواعد اللعبة. لم يعد الحديث عن البيئة مقتصرًا على المؤتمرات، بل أصبح جزءًا من إعادة هيكلة الاقتصاد والمجتمع والمكان. فالاستراتيجية الوطنية للبيئة، التي أُطلقت ضمن هذه الرؤية، جاءت لتضع تصورًا شموليًا يعيد تنظيم القطاع البيئي بمؤسساته وتشريعاته وأدواره.
ثم جاءت مبادرة “السعودية الخضراء” لتترجم الطموح إلى أرقام واضحة:
زراعة 10 مليارات شجرة، رفع نسبة المناطق المحمية إلى 30%، تحويل 95% من النفايات إلى طاقة… هذه ليست مجرد وعود، بل مؤشرات على تحول جذري في علاقة الدولة بمقدراتها الطبيعية.
ومع أن هذه الجهود ضخمة، إلا أن المملكة لم تتوقف عند حدودها. فقد أطلقت مبادرة “الشرق الأوسط الأخضر” بمستهدف إقليمي طموح لزراعة 40 مليار شجرة، وترأست ملفات بيئية في قمم العشرين، واستضافت في الرياض مؤتمر الأطراف لاتفاقية مكافحة التصحر (COP16) عام 2024، بمشاركة ما يقرب من 200 دولة.
وفي موازاة ذلك، تبنّت المملكة مفهوم “الاقتصاد الدائري للكربون”، كخيار استراتيجي يجمع بين النمو والاستدامة، وأعلنت التزامها بالوصول إلى الحياد الصفري الكربوني بحلول عام 2060، في خطوة تتطلب حوكمة صارمة، واستثمارات طويلة النفس، وإرادة لا تقل عمقًا عن التحديات.
لكن السؤال الأهم اليوم ليس: ماذا فعلنا؟ بل: إلى أين نريد أن نصل؟
نريد أن نصل إلى وطن يُبنى على احترام الطبيعة، لا تحدّيها.
نريد أن نكون أمة تصنع التوازن بين التنمية والاستدامة، وتُقدّم نموذجًا عالميًا في إدارة البيئة الصحراوية.
نريد أن يتحول السلوك البيئي من واجب حكومي إلى مسؤولية وطنية مشتركة.
فالمملكة تمضي في طريقها بثقة، لكن الطريق بحاجة إلى اصطفاف مجتمعي، إلى إعلام بيئي، وتعليم بيئي، ومؤسسات مدنية تجعل من “الحفاظ على البيئة” ثقافة راسخة لا شعارًا موسميًا.
وفي زمن تتسابق فيه الأمم إلى تأمين مستقبلها، لا يليق بنا إلا أن نكون في مقدمة الركب.
DrAbdullah1971