المقالات

المملكة والتنوع الأحيائي التزام متجدد في يوم عالمي

في الثاني والعشرين من مايو كل عام، تحتفي الأمم المتحدة والعالم أجمع بـ”اليوم العالمي للتنوع الأحيائي”، وهو مناسبة للتأمل في حالة النظم البيئية، وتجديد الالتزام بحمايتها من التدهور والانقراض. ويأتي هذا اليوم هذا العام تحت شعار “كن جزءًا من الخطة”، في إشارة إلى الإطار العالمي الجديد للتنوع الأحيائي لما بعد 2020، والذي يهدف إلى وقف التدهور الحاد في الأنواع والنظم البيئية بحلول عام 2030.

ورغم أن أزمات المناخ وفقدان المواطن الطبيعية والتوسع العمراني لا تزال تُلقي بظلالها على مستقبل الكائنات الحية في العالم، فإن هناك نماذج مضيئة تبرهن على أن التحول الإيجابي ليس مستحيلاً. ومن بين هذه النماذج، تبرز المملكة العربية السعودية بوصفها دولة بدأت مرحلة جديدة من العمل البيئي المنهجي، جعلت من التنوع الأحيائي قضية وطنية واستراتيجية تنموية ضمن رؤية 2030.

بعض من قد ينظر إلى الجغرافيا الطبيعية للمملكة يظن خطأً أنها بيئة فقيرة بالتنوع، لكن الحقائق العلمية تؤكد العكس؛ فالمملكة تضم أكثر من 2250 نوعًا نباتيًا، تتنوع بين أشجار وشجيرات وحوليات سواء النباتات الصحراوية، او النادرة، او الطبية، إضافة إلى ما يزيد عن 500 نوع من الطيور، بينها أنواع مهاجرة ومُقيمة، وقرابة 117 نوعًا من الثدييات والزواحف، تعيش في نطاقات بيئية متعددة تمتد من الصحارى والجبال إلى السواحل والوديان.

وهذا التنوع، وإن كان دليلاً على ثراء طبيعي فريد، فإنه يُحمّل المملكة مسؤولية مضاعفة لحمايته، لا سيما في ظل تحديات مثل التصحر، وفقدان الموائل الطبيعية، وتغير المناخ.

لقد شهدت السنوات القليلة الماضية تحولات غير مسبوقة في بنية العمل البيئي في المملكة، سواء من حيث التشريعات أو الهياكل المؤسسية أو البرامج التنفيذية.

أبرز هذه التحولات تمثلت في أنشاء المملكة للمركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، والذي يعمل على مشاريع واسعة لتأهيل المراعي وتنظيم الرعي وإكثار النباتات المحلية، إلى جانب المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الذي يُعنى بحماية الكائنات المهددة بالانقراض وإعادة توطينها في بيئاتها الأصلية، مثل المها العربي والنمر العربي والوعل الجبلي. كذلك إطلاق المبادرة السعودية الخضراء، وهي مبادرة شاملة تسعى إلى زراعة 10 مليارات شجرة داخل المملكة، ورفع نسبة المناطق المحمية إلى 30% من إجمالي المساحة، وإعدة تأهيل الاراضي المتدهورة. أهداف طموحة تعكس التزامًا طويل الأمد بالتوازن البيئي واستعادة الأنظمة الطبيعية.

أما على مستوى الحماية التشريعية، فقد تم إنشاء سبع محميات ملكية بإدارة مستقلة، تغطي مساحات واسعة من الجبال والصحارى، وتخضع لنظام حماية صارم يتيح للأنواع الفطرية التكاثر دون تهديد.

الجهود السعودية في مجال التنوع الأحيائي لم تعد مجرد مبادرات، بل أصبحت واقعًا يمكن قياسه. فمنذ إطلاق “السعودية الخضراء”، تمت زراعة أكثر من 115 مليون شجرة حتى نهاية الربع الاول من هذا العام ٢٠٢٥ ، وتأهيل مايقارب 300 ألف هكتار من اراضي المراعي. وجرى إطلاق أكثر من 30 برنامجًا لإعادة توطين الأنواع المهددة، فيما ارتفعت نسبة المشاركة المجتمعية في الحملات البيئية.

وتواصل المملكة التزامها بالاتفاقيات العالمية، فهي عضو فاعل في اتفاقية التنوع البيولوجي (CBD)، واتفاقية تنظيم التجارة في الأنواع المهددة بالانقراض (CITES)، واتفاقية رامسار للأراضي الرطبة، وغيرها.

لا شك أن حماية التنوع الأحيائي ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل هي واجب يشمل كل فرد ومؤسسة. ومن هنا، تدعو الخطط الوطنية إلى تعزيز دور المواطن والقطاع الخاص والمجتمع المدني، ليكونوا جميعًا “جزءًا من الخطة”، كما جاء في شعار اليوم العالمي لهذا العام.

إن المملكة، بما تملكه من إرادة، وبنية تشريعية، وخطط واضحة، لا تسعى فقط إلى حماية التنوع الأحيائي داخل حدودها، بل تسعى لتكون نموذجًا إقليميًا في الاستدامة البيئية، وشريكًا دوليًا فاعلًا في صون الطبيعة.

وفي هذا اليوم العالمي، لا نحتفل فقط بالكائنات والنباتات والبيئات، بل نحتفي أيضًا بالوعي المتنامي، والإرادة البيئية، والمجتمع الذي بدأ يدرك أن حماية التنوع الأحيائي ليست رفاهية، بل أساس الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى