«الممالك الإسلامية الإفريقية: الإنسان، المعرفة، والتاريخ المنسي»
ملخص:
تمثل مملكة الهوسا إحدى أبرز الممالك الإسلامية في إفريقيا جنوب الصحراء، حيث أسهمت في إثراء الحضارة الإسلامية في مجالات التجارة، والعلم، والعمران، والحكم، منذ نشأتها في العصور الوسطى وحتى اندماجها في الممالك المجاورة بفعل التغيرات السياسية والاقتصادية. ويهدف هذا المقال إلى تقديم قراءة علمية موثقة لمملكة الهوسا، من حيث نشأتها، ومقوماتها الجغرافية والسياسية، وإنجازاتها، ورموزها، وتأثيرها في الذاكرة الإسلامية والإفريقية، مع الإشارة إلى آراء المؤرخين المسلمين والمستشرقين حولها.
أولاً: نبذة تعريفية عن مملكة الهوسا
تشير مملكة الهوسا إلى مجموعة من الكيانات السياسية المتعددة، المعروفة باسم مدن الهوسا (Hausa city-states)، التي ازدهرت في شمال نيجيريا وجنوب النيجر بدءًا من القرن التاسع الميلادي تقريبًا. وقد جمعت هذه المدن بين الطابع الحضري المتقدم، والنظام السياسي المنظم، والالتزام بالدين الإسلامي منذ دخول الإسلام إلى المنطقة في القرن الحادي عشر. وقد شملت هذه المدن: كانو، وكاتسينا، وزاريا، وغوبر، ورانو، وبيرم، وداورا وغيرها.
ثانياً: نشأة المملكة وظروفها
يرجع المؤرخون نشأة ممالك الهوسا إلى الفترة ما بين القرنين التاسع والحادي عشر الميلادي، وقد نشأت هذه المدن كتحالفات قبلية تطورت إلى كيانات حضرية بفعل العوامل التالية:
• الموقع الجغرافي: تقع منطقة الهوسا في قلب طرق التجارة بين شمال إفريقيا وغربها، وهو ما سهّل التواصل التجاري والثقافي.
• الوفرة الزراعية والمائية: ساعد نهر النيجر والروافد المحلية على استقرار المجتمعات وتحولها من البداوة إلى العمران.
• التأثير الإسلامي: كان دخول الإسلام عاملاً حاسمًا في تنظيم الدولة والتعليم ونظم القضاء والاقتصاد.
• العلاقات التجارية: مع بلاد السودان، والمغرب، وطرابلس، والقاهرة، وحتى ممالك السواحلي على الساحل الشرقي.
ثالثاً: المؤسسون الأوائل
تفيد الأساطير المحلية، كما في رواية “أسطورة بايَجِدا”، بأن مؤسس مدينة داورا – إحدى أهم مدن الهوسا – هو أمير عربي يُدعى بايَجِدا، جاء من الشرق وتزوج من ملكة داورا، وأسّس بذلك سلالة ملوك الهوسا.
لكن المصادر التاريخية تشير إلى أن هذه المدن نشأت بفعل تحالفات بين زعماء محليين من القبائل الزراعية والتجارية، ثم تبنّوا الإسلام تدريجيًا وشيّدوا أنظمة حكم وراثي متأثر بالإسلام والتقاليد المحلية.
رابعاً: الحدود الجغرافية
امتدت مدن الهوسا في شمال نيجيريا الحالي، وغرب النيجر، وجنوب النيجر (الدولة)، وتماسّت حدودها مع:
• غربًا: ممالك اليوربا، وأهمها مملكة أويو.
• شرقًا: مملكة كانم-برنو.
• شمالاً: الصحراء الكبرى ومناطق الطوارق.
• جنوبًا: مناطق قبائل الإغبو والفولاني.
وقد تميزت الهوسا ببناء مدن مسوّرة، ذات طابع عمراني إسلامي مميز، خاصة في كانو وكاتسينا.
خامساً: أبرز القيادات
من بين القادة البارزين في مدن الهوسا:
• السلطان محمد رمفا (Muhammad Rumfa) – حاكم كانو (1463–1499م): طوّر نظام الحكم، وشجّع على نشر الإسلام، ودعا علماء من تمبكتو، وبنى المساجد والأسواق.
• الملكة أمينة (Queen Amina) من زاريا – قائدة عسكرية بارزة في القرن السادس عشر، امتدت حدود زاريا في عهدها، وأسست الحصون.
• سادساً: أبرز الإنجازات
• العمران: بناء مدن متقدمة بأسوار وأسواق ومساجد، خاصة في كانو وكاتسينا.
• التجارة: الهوسا من أبرز المراكز التجارية في إفريقيا، اشتهرت بتصدير الجلود، والذهب، والعبيد، والكولا، والملابس المنسوجة.
• العلم والتعليم: أنشئت مراكز علمية ومدارس قرآنية، ونُقل العلم من تمبكتو وجاو.
• القضاء الشرعي: تأسيس محاكم شرعية تعتمد المذهب المالكي، وتدوين العقود والمراسيم باللغة العربية.
سابعاً: نظرة المؤرخين الأفارقة
يرى المؤرخون الأفارقة مثل علي مزروي ويوسف مبارك أن مملكة الهوسا تمثل نموذجًا فريدًا للتحول من المجتمعات القبلية إلى الدولة الحضرية الإسلامية، وأنها حافظت على الهوية الثقافية الإفريقية في إطار إسلامي متطور.
كما يؤكد الباحثون أن الهوسا لعبوا دورًا مركزيًا في نشر الإسلام في غرب إفريقيا، وكانوا قاعدة انطلاق لحركة الجهاد الفولاني بقيادة عثمان دان فوديو في القرن التاسع عشر.
ثامنًا: آراء المستشرقين والمؤرخين الغربيين
• يذكر المستشرق الألماني هاينريش بارث (Heinrich Barth) في رحلاته إلى غرب إفريقيا (1850-1855م)، أن مدن الهوسا كانت متقدمة عمرانيًا، وقال عن كانو إنها “منظمة كمركز تجاري إسلامي مزدهر”.
• أما الباحث الفرنسي رينيه كاييه فقد أثنى على طابع التعايش بين الأعراق في ممالك الهوسا، وتأثرهم بالتعاليم الإسلامية في المعاملات والتجارة.
• يرى بعض الباحثين الغربيين أن مدن الهوسا مثال على “التمدن المحلي دون استعمار خارجي”، أي أنها نمت ذاتيًا بفعل الداخل الإفريقي الإسلامي، لا بفعل التأثير الأوروبي.
تاسعًا: أسباب الانهيار وتاريخ النهاية
انتهت استقلالية ممالك الهوسا تدريجيًا بفعل العوامل التالية:
• الضعف الداخلي والصراعات بين المدن.
• اجتياح الفولاني بقيادة عثمان دان فوديو (1804–1810م)، الذي أسقط حكام الهوسا غير الملتزمين بالإسلام، وضمّهم إلى خلافة صكتو.
• الاستعمار البريطاني (أواخر القرن 19) الذي أنهى الحكم الإسلامي التقليدي، وفرض نظام الحماية البريطاني على شمال نيجيريا عام 1903م.
• عاشرًا: مملكة الهوسا في الذاكرة الإسلامية والإفريقية
• تمثل ممالك الهوسا في الذاكرة الإسلامية:
• نموذجًا للحضارة الإسلامية جنوب الصحراء، التي استطاعت أن توائم بين الهوية الإفريقية والدين الإسلامي.
• حاضنة للعلم والتجارة، ومركزًا لإشعاع اللغة العربية والعلوم الإسلامية في إفريقيا الغربية.
• في الذاكرة الإفريقية، تعدّ الهوسا رمزًا للمقاومة الثقافية والنهضة الذاتية، ولا تزال لغتهم وثقافتهم واسعة الانتشار في نيجيريا وخارجها، حيث تعتبر الهوسا اليوم من أكبر الجماعات المسلمة في إفريقيا.
خاتمة:
تمثل مملكة الهوسا بحق إحدى معالم الحضارة الإسلامية في إفريقيا، بما أسهمت به من نظم سياسية متطورة، ومدن مزدهرة، وعلاقات تجارية واسعة، وعلم غزير، وتأثير إسلامي عميق. ويعيد البحث في تراثها إحياء الذاكرة الجمعية للأمة، ويؤكد أن الإسلام كان ولا يزال فاعلاً في صياغة المجتمعات الإفريقية، حضاريًا وروحيًا.
————————-
1.Cartwright, Mark. “Hausaland.” World History Encyclopedia. 
2.“Hausa Kingdoms.” Wikipedia.
3.“Uthman dan Fodio.” Wikipedia.
4.“Sokoto Caliphate.” Wikipedia.
5.“Hausa City States (ca. 1000–1815).” BlackPast.org.
6.“Uthman (Osman) dan Fodio (1754–1817): Life and Religious Thought.” Oxford Research Encyclopedia of African History.
7.“Uthman Dan Fodio: Defender of Islamic Values and Justice.” Muslim Public Affairs Council (MPAC).
8.“The Hausa Kingdoms.” Saylor Academy.
9.“The Hausa States to 1800.” FCT Education Management Information System (EMIS).
10.“1804 Usman Dan Fodio’s Jihad on Inter-Group Relations.” Journal of Religion and Human Relations.
11.“The Hausa-Caliphate Imaginary and the British Colonial Experience.” African Studies Quarterly.
12.“Hausa.” Encyclopedia Britannica.
13.“Nana Asmaʼu.” Wikipedia.
14.“Amina, Queen of Zazzau.” Wikipedia.
15.“Abu Bakr Atiku.” Wikipedia.