توجيهات ومتابعة قيادتنا الرشيدة؛ بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسنده وعضده سيّدي صاحب السموّ الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد رئيس مجلس الوزراء – رعاهما الله –، جعلت خدمة الحاج شرفًا ومسؤوليةً مقدسة، تتعاضد فيها الجهود، وتتجلّى فيها أسمى معاني الإيمان والتفاني، ليحظى كل حاج برعايةٍ متكاملةٍ وإقامة مطمئنةٍ في ثرى هذه البقاع الطاهرة، وبأداءٍ آمنٍ لمناسكه؛ حيث تشهد “منظومة الحج” تحولات وقفزات ونقلات كبرى عامًا بعد عامّ، مصحوبة بمنجزات ومرافق ومنشآت ضخمة، أسهمت في توفير بيئة آمنة ومطمئنة؛ أدت لتحقيق موسم حج هذا العام 1446هـ أمنياً وصحياً وخدمياً، نجاحاً قياسياً غير مسبوقاً، وضمنت للحجاج أداء مناسكهم بكل يُسر وسهولة وأمن وأمان واطمئنان، مدعومة بكوادر وطاقات بشرية مدربة ومؤهلة، وحلول تقنية متقدمة، تعكس اهتمام المملكة المستمر بخدمة ضيوف الرحمن، وـسهيل رحلاتهم الإيمانية إلى المشاعر المقدسة، وإثراء تجاربهم، لتحقيق مرتكزات “برنامج خدّمة ضيوف الرحمن”، الذي يُعتبر من أهمّ برامج تحقيق رؤية 2030، وامتداداً طبيعيًا لشرف خدمة ملوك هذه البلاد للحرمين الشريفين، وذلك منذ عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود – طيب الله ثراه –، لتمثل خدمة ضيوف الرحمن، أولوية قصوى والتزامًا تاريخيًا، وواجباً وشرفاً لا يدانيه شرف لهذه البلاد – قيادةً ومواطنين –.
موسم حج هذا العام 1446هـ؛ شهد تفعيل منظومة خدمات متكاملة، عملت على توفير كل ما يحتاجه الحاج من مرافق وخدمات في الوقت المناسب والمكان المناسب، وذلك ضمن إطار جهود مختلف القطاعات والجهات المختصة وذات العلاقة – الحكومية والأهلية والتطوعية -، الكبيرة التي بذلت لضمان انسيابية الخدمات وراحة ضيوف الرحمن، ومنها “وزارة الحج والعُمرة”، التي ضمن إطار جهودها لتعزيز تجربة الحجاج وتيسير أدائهم للمناسك، ومن منطلق التزامها بتحقيق أعلى معايير الجودة والراحة لضيوف بيت الله الحرام، فعّلت “الوزارة” مبادرة منظومة دعم شاملة ومتكاملة لخدمتهم؛ عبر ثلاث قنوات رئيسة تشمل: (الرعاية المباشرة، والدعم الميداني، والدعم الرقمي)، حيث قدّم “مركز العناية بضيوف الرحمن” خدمات استقبال المكالمات والاستفسارات، التي تعامل معها فريق مختص عمل على مدار الساعة لتقديم حلول فورية ومتابعة احتياجات الحجاج بكل مهنية واهتمام، مع إطلاق “الوزارة” مبادرة “نسك عناية”، لتقديم الإرشاد والدعم الفوري للحجاج في مواقعهم، بينما أتاح تطبيق منصّة “نسك” للحجاج إمكانية تقديم الشكاوى والبلاغات والاستفسارات بشكل فوري وسلس، عبر أكثر من ثلاثين خدمة رقمية، مع تفعيل خمس مسارات أسهمت في تسريع وتيرة الاستجابة وحل المشكلات بكل سرعة وفعالية.
ولإبراز أهمّ ملامح جهود “إدارة الحشود”؛ فمع توافد أكثر من مليوني حاج من داخل المملكة ومن مختلف أنحاء العالم لأداء مناسك حج هذا العامّ 1446هـ، برزت أدوار “إدارة الحشود”؛ لتنظيم حركة الحشود في الحرمين الشريفين وبين المشاعر المقدسة، وبالتالي لتعد عنصرًا محوريًا ومهمًا لضمان سلامة ضيوف الرحمن، خلال تأديتهم للشعائر في منطقة محدودة خلال فترة زمنية قصيرة، وذلك بتسخير التقنيات المُتقدِّمة، والعديد من التطبيقات الحديثة؛ من خلال ببنية تحتية متطورة، مثل التطبيق الوطني الشامل “توكلنا”، الذي يُعد أداة تقنية موثوقة، عززت من راحة الحجاج وضمنت سلامتهم، بفضل ما يتميز به من تكامل في الخدمات وسرعة في الاستجابة، ومنها أيضاً أساليب الذكاء الاصطناعي، وتوظيف استخدام بعض التقنيات والخدمات الرقمية المتقدمة، مثل طائرات “الدرونز” و”إنترنت” الأشياء في مراقبة حركة الحشود وتوجيه المركبات، وأيضًا من خلال التكامل والتناغم التام بين التقنية، والخبرات الميدانية، المتمثل في التكامل التقني الذي تمّ بين وزارة الداخلية والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا”، حيث وفرت منصتا “سواهر”، و”سواهر قيادة”، تحليلات ذكية لبث الكاميرات المنتشرة في المشاعر المقدسة والمنافذ المؤدية إليها، مما مكّن من المتابعة اللحظية لمختلف الحالات الميدانية، ويسّر تحليل البيانات الضخمة لدعم اتخاذ القرار وتعزيز الكفاءة الأمنية، في الوقت الذي يعدّ فيه مركز عمليات مكة الذكية “SMART MOC” بمكة المكرمة، أحد أهم الركائز التشغيلية التقنية المتقدمة التي أسهمت في تعزيز قدرات منظومة حج الجهات الحكومية العاملة في خدمة ضيوف الرحمن, ومن جهة أخرى، برز دور “الوعي الجماعي”؛ الذي عزِّز هذه الجهود البشرية والتكنولوجية.
من جهتها، حرصت “الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي”، على توظيف التقنيات الحديثة وتطوير الخدمات الميدانية لضمان راحة الحجاج وسلامتهم، ولتعزيز تجربتهم وتقديم أرقى الخدمات لهم، وتحقيق أحد مستهدفات رؤية المملكة 2030 في خدمة الحرمين الشريفين وزوارهما، ومنها تطبيق “خدمة الإرشاد المكاني داخل المسجد الحرام”، خلال موسم حج هذا العام 1446هـ، والتي أسهمت في تسهيل تنقل الحجاج وإرشادهم إلى مواقعهم داخل المسجد الحرام، من خلال منظومة متكاملة من الفرق الميدانية المؤهلة والتقنيات الذكية.
والحديث عن “الجهود الأمنية” في هذا الموسم؛ حديث ذو شجون، حيث واصلت “قوات أمن الحج” مهامها وفق الخطط المعتمدة، بما يضمن سلامة ضيوف الرحمن، وانسيابية تنقلاتهم، وخدمتهم على أعلى مستوى، مع التشديد على أهمية الالتزام بالتعليمات، والتأكيد على أن نجاح الحج مسؤولية تشاركية، لتشير الإحصائيات الأمنية إلى أثر الجهود التي بذلتها الجهات الأمنية كافة، والتي كان لها أدوار فاعلة في نجاح الخطط التشغيلية المعتمدة، والتي تمثلت في دعوة ضيوف الرحمن إلى التقيد بالتعليمات، واتباع الإرشادات، والالتزام بالتعليمات التي تنظم تحركاتهم خلال أيام التشريق، خصوصًا ما يتعلق برمي الجمرات والطواف والسعي، وذلك من خلال التقيد بالمواعيد المحددة لمجموعاتهم وبجداول التفويج، واتباع المسارات المحددة عند الذهاب والعودة لرمي الجمرات أو التنقلات، وعدم حمل الأمتعة إلى منشأة الجمرات والمسجد الحرام، مع التحلي بالهدوء والنظام أثناء التنقل. وقد انطلقت هذه الجهود بالتحقق من حصول الحجاج على التصاريح النظامية عبر نقاط الفرز الأمنية على جميع الطرق المؤدية إلى مكة والمشاعر المقدسة، وضبط مخالفي تعليمات الحج، ممن استضافوا حاملي تأشيرات الزيارة، وأصحاب التأشيرات المخالفين ببقائهم في مكة، واتخاذ الإجراءات النظامية بحقهم، ولتتواصل هذه الجهود وأداء المهام لحماية ضيوف الرحمن وضمان سلامتهم خلال وجودهم في مشعر منى، وأثناء تأديتهم لمناسكهم في المسجد الحرام ومنشأة الجمرات، وقد شمل ذلك تنظيم حركة المشاة وإدارة الحشود في جميع الطرق التي تربط المخيمات بمنشأة الجمرات والمسجد الحرام، سواء في المطاف والمسعى أو عند المداخل أو حول أحواض الرمي.
ولتناول جانب “الرعاية الصحية والتحدّيات البيئية”؛ فيمكن القول إن “خطط المنظومة الصحية” في موسم حج هذا العامّ؛ قد أُعدت بدقة عالية، ووظفت التقنيات المبتكرة وأنظمة الذكاء الاصطناعي لتعزيز صحة ضيوف الرحمن، وتقدم خدمات الصحة الافتراضية عالية الجودة عبر مستشفى صحة الافتراضي، وتقنيات استشعار ومراقبة المرضى عن بُعد، وصولًا إلى تقنية “ECMO” التي تنقذ أرواح الحجاج المصابين بأمراض خطيرة في التنفس أو القلب، وإطلاق مبادرات رائدة تُعد الأولى من نوعها عالميًا، باستخدام طائرات الدرونز لتسريع الإمداد الطبي في المناطق الأكثر ازدحامًا، لتقلص زمن توصيل الأدوية من ساعة إلى نحو (5) دقائق فقط في (6) مرافق طبية رئيسية في عرفات ومنى، مع دعم إضافي بالطائرات العمودية لتجاوز الازدحام الأرضي، وضمان سرعة الإمداد، وليتم تنفيذها بكل نجاح ومرونة، والتي بدورها ضمنت – بعد توفيق الله سبحانه وتعالى –، وبسبب الجهودٍ المكثفة التي بذلت لتقديم أفضل الخدمات الصحية لحجاج بيت الله الحرام منذ قدومهم المملكة وحتى عودتهم سالمين معافين، لينعموا بحالات صحية عامة مطمئنة ومستقرة، حيث عززت المنظومة “الاستطاعة الصحية” التي تعد مبدأ شرعيًّا وركيزة أساس في تمكين الحجاج من أداء مناسكهم بأمان، وذلك عبر الاشتراطات الصحية التي وضعت بناء على المخاطر الصحية التي رُصِدَت خلال الأعوام الماضية.
كما لم تغفل المنظومة الصحية “التحديات البيئية”، حيث اتخذت إجراءات استباقية للتصدي لدرجات الحرارة المرتفعة بالتعاون مع الهيئة الملكية لمكة المكرمة والمشاعر المقدسة، تضمنت زراعة عدة آلاف شجرة، وتركيب مئات برادة المياه الإضافية، ونشر مراوح الرذاذ، وتوسيع المساحات المظللة لضمان بيئة أكثر أمانًا وراحةً لضيوف الرحمن”, مصحوبة بإطلاق حملات توعوية شاملة بثماني لغات عبر فرق ميدانية، وبرامج إعلامية، وبعثات طبية، مع توفير حقيبة توعوية صحية، مكنت الحجاج من أداء المناسك بأمان، وساعدتهم على تفادي بعض المخاطر الصحية، هذا بجانب تدشين مستشفى طوارئ جديدًا في مشعر منى، وإطلاق (3) مستشفيات ميدانية إضافية، فضلًا عن تشغيل عشرات نقاط الطوارئ، وعدة مئات من سيارات الإسعاف، وعدد من طائرات الإخلاء، وعدد كبير من المسعفين.
وأرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود – رعاه الله – وإلى سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي كان توجيهاته ومتابعته المستمرة – حفظه الله – الأساس في انطلاق الاستعدادات منذ الثاني عشر من ذي الحجة من العام المنصرم 1445هـ، مما أسهم في تحقيق موسم نوعي وناجح على كافة الأصعدة، وأسأل المولى عزّ وجلّ أن يحفظهما وأن يجزيهما خير الجزاء على عنايتهما المستمرة بخدمة الإسلام والمسلمين، وأن يديم على المملكة نعمة الأمن والاستقرار.
وعبارا ت التهنئة والتقدير مرفوعة لصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة رئيس اللجنة الدائمة للحج والعمرة، ولصاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سعود بن نايف وزير الداخلية رئيس لجنة الحج العليا، ولصاحب السمو الملكي الأمير سعود بن مشعل بن عبدالعزيز، نائب أمير منطقة مكة المكرمة، نائب رئيس اللجنة الدائمة للحج والعمرة، ولمعالي الدكتور توفيق بن فوزان الربيعة، وزير الحج والعمرة، ولنائبه معالي الدكتور عبدالفتاح بن سليمان مشاط، ولأركان وزارتهما، ولجميع العاملين في الجهات والقطاعات المختصة وذات العلاقة بأعمال الحج، بمناسبة النجاح المميّز لموسم حج هذا العام 1446هـ، وعلى ما تحقق من تفوق ملحوظ في أداء الخطط التشغيلية التي تزامنت مع الرحلة الإيمانية لضيوف الرحمن في هذا الموسم، وأسهمت بفضل من الله في أدائهم لشعيرة الحج بأمن ويسر وطمأنينة.
والله ولي السداد والتوفيق،،،
* المُلحق الثقافي في سفارة خادم الحرمين الشريفين في أنقرة