لطائف الطائف (2-5 )…
الطائف ليست مدينةً عابرة على أطراف الصحراء، بل هي قلب المملكة النابض، وعقدة الوصل بين جهاتها الأربع. تقع عند مفترق الطرق، وتفتح نوافذها شرقًا لمكة المكرمة، وجنوبًا لأبها، وغربًا لجدة، وتطل على وسط المملكة بجبالها المنيفة التي تحتضن الغيم وتلثمه.
موقعها الاستراتيجي ليس مجرد ميزة جغرافية، بل قصة وطن، وركن أساس في ذاكرة المكان. فهي معبر القوافل، وبوابة الحرمين، وجسر الحضارات التي مرّت من هنا. لم تكن الطائف فقط طريقًا، بل كانت موئلًا، ومستقرًا، ونقطة إشعاع حضاري.
أكثر من أربعمئة قمة جبلية تحيط بها، تُعانق السماء وتُسرّح البصر، تتناغم مع الأودية المتدفقة والسهول الخصبة، لترسم لوحة طبيعية تُدهش العين وتغني الروح. هذا التنوع الجيولوجي أهدى المدينة مناخًا معتدلًا صيفًا، فكانت المصيف الأول في ذاكرة السعوديين، والمكان الذي يجمع بين الاعتدال الجوي والارتقاء المكاني.
لكن الأهم من الطبيعة والموقع، أن الطائف كانت وما زالت مدينة تُلهم من يسكنها أو يزورها. فقد استطاعت أن تحافظ على خصوصيتها رغم التمدن، وأن تصنع من تنوعها الجغرافي تنوعًا ثقافيًا، حيث تنصهر اللهجات والعادات، ويتشكل نسيج إنساني يتصف بالود والانفتاح.
الطائف، إذن، ليست جغرافيا فقط، بل كيان حيّ نابض. هي الشريان الذي يمد المملكة بروح الاعتدال، وهي القلب الذي ينبض بالتاريخ والمعاصرة في آن. من هنا مرّت القوافل، ومن هنا يُمكن أن نقرأ سيرة المكان بعيون الأرض وروح الإنسان.
إنها الطائف…
موقع يربط، وصوت يوحّد، ونقطة انطلاق نحو تاريخ يستمر في كتابة فصوله من أعالي السروات