في وقتٍ ما تزال فيه ذاكرة الأمة الإسلامية مشبعة بالجراح، وتاريخها مثقّل بصراعات طبقية وطائفية ودموية، آن الأوان أن نسأل أنفسنا بصوتٍ هادئ وحكمةٍ راشدة:
لماذا لا يُستحضر العقل ليُغلق هذا الملف المؤلم؟ لماذا لا نطوي صفحة مقتل الحسين رضي الله عنه، بكل ما فيها من وجع، ونفتح بدلًا عنها سجلًا جديدًا عنوانه: النهضة لا النياحة، البناء لا الثأر، الوعي لا الانقسام؟
لقد عاش النبي ﷺ في قسوة الاضطهاد والظلم، هُجّر من وطنه، أُوذي في بدنه، حُوصِر في شعب مكة، وهاجر مُطاردًا تحت لهيب الحقد. وقُتل من صحابته من هو أجلّ شأنًا، وسالت دماء الخلفاء الراشدين عمر وعثمان وعلي في لحظات غدر لا تقل مأساوية عن كربلاء، لكن أحدًا لم يجعل من تلك الفواجع طقسًا دائمًا ولا مذهبًا يُبنى عليه الدين.
لقد كرّم الله العقل في أكثر من خمسين موضعًا في كتابه الكريم: ﴿أفلا تعقلون﴾ ﴿أفلا يتفكرون﴾ ﴿لعلهم يتفكرون﴾ وجعل من أهم علامات الإيمان الراشد التمييز بين النص والعاطفة، بين الحق والهوى، بين التاريخ والعبرة. فهل يعقل أن تبقى أمة بكاملها حبيسة حدث واحد، يُعاد إحياؤه عامًا بعد عام، وتُستنزف فيه العقول والقلوب والطاقات، بينما العالم يتقدم، والزمان لا ينتظر؟
الحسين بن علي رضي الله عنهما شهيد مظلوم، نحبه ونوقّره ونعلم أن دمه ليس أداة للفرقة بل منارة للعدل، ولكنه ليس وحده في قائمة المظلومين، فدم عثمان قد سُفك وهو صائم في المصحف، ودم عمر سال وهو قائم للصلاة، ودم علي تناثر وهو في محراب الفجر. فلماذا اختُزل الألم في مشهدٍ واحد؟ ومن المستفيد من إعادة إذكاء نيران الخلاف، بعد مضيّ أكثر من أربعة عشر قرنًا؟
ليس المطلوب أن ننسى، بل أن نتجاوز، ليس أن نمحو الماضي، بل أن نحسن قراءته، نستلهم منه الحكم، لا الضغينة، العبرة، لا العُقد.
إن الحضارة الإسلامية لا تُختصر في كربلاء، بل في بغداد عندما كانت تُترجم علوم الإغريق، في الأندلس حين أنارت قرطبة ودمشق العالم، في فاس والقاهرة حين كانت الجامعات تُخرّج الفقهاء والفلاسفة والأطباء. تلك هي ملامح أمتنا الحقيقية، لا مواكب اللطم ولا سرديات الثأر.
فمن أراد نصرة الحسين، فلينصر قيمه: الإصلاح، العدل، الشجاعة، لا أن يحبس الأمة في مآتم لا تنتهي. ومن أراد أن يُكرّم آل البيت، فليوحد المسلمين على كتاب الله وسنة رسوله، لا على سرديات الفُرقة واللعن والدموع المستدامة.
لقد آن للعقل أن يقود، وللماضي أن يُقرأ لا يُقدّس، وللأمة أن تتجه ببصيرتها نحو مشروع حضاري يجمعها، لا نحو دمٍ فرّقها.
السلام عليكم شخون الفظل، نشكرك عن هذا الموضوع الشرفي الكلام المبدع نطلب من الله عز وجل أن يحفظ المسلمين والمسلمات ان شاءالله.
مقال رائع بما تعنيه الكلمة يستحق عليه الدكتور عايض الزهراني الشكر والتقدير.. للمضامين الهامة والهادفة من أجل وحدة الأمة بدل الفرقة والاجتماع بدل الانقسام والتآزر بدلاً من التناحر.
وتغليب العقل والمنطق في تناول الأحداث التاريخية وعدم الانصياع لصناع الفتنة الذين يثيرونها لما يخدم مصالحهم السياسية الخاصة فقط. وقد آن الأوان لاتحاد الأمة الإسلامية والتغلب على مسببات الخلاف والاختلاف. ومن وجهة نظري بأن المقال يعد ورقة عمل جيدة لمؤتمر يتناول هذه القضية ويعالج ما تعانيه الأمة مع هذا التشرذم.
علي أساس تقول أن حسين بن علي “شهيد و مظلوم”؟