المقالات

فجر جديد لإعداد المعلم

قبل عامين تقريبًا كتبت مقالًا في صحيفة مكة الإلكترونية عن كليات التربية وعنونته بـ كليات التربية منارات العلم والمعرفة وذكرت فيه مدى الحاجة إلى عودة الروح لكليات التربية، ولقطاع التعليم بإعداد المعلم الجديد؛ لأنه أحد أقوى عناصره. وأن الحلّ لا يكون بإغلاق البرامج التربوية، ولا بتوقف كلّ برامج إعداد المعلم، ولا يكون الحلّ في الجامعات بتغيير كليات التربية جلدها، من إسناد ساعات منسوبيها من متخصصين وأساتذة وباحثين لتدريس مقررات خارج كلياتهم وتخصصاتهم، بل يكمن في إعادة تصميم برامجها لتواكب التطور ولتواجه تحديات العولمة، و لتعكس الوعي الجمعي للعلماء في التخصصات الإنسانية، والممارسين في مجال التعليم من الطفولة المبكرة وحتى مراحل الدراسات العليا، وهذا الاحتياج يجب أن يكون من خلال تعزيز قدرة المؤسسات التربوية على الربط الديناميكي بين النظرية والبحث العلمي والممارسة، وذلك تلبية لاحتياجات العصر. وكان ختام لقالي “فهل سنشهد قرارات تصحيحية، أو تعديلية، إن شئتم في تلك القرارات الأخيرة، بناء على الحجج التي أشرت إليها في هذه المقالة؟ ”

لم أكن أعرف حين كتبت المقال أن المسار سيتجه نحو تحقيق حلم كبير من خلال تدريب نوعي رفيع المستوى نتج عن شراكة بين المعهد الوطني التعليمي والشركة التعليمية في الرياض وبين المعهد الوطني السنغافوري الذي يعدّ واحدًا من أفضل جهات إعداد المعلم في العالم. وانطلاقًا من برنامج القدرات البشرية الذي أتى إنفاذًا لتوجهات ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان أتت برامج مختلفة تهدف الى تعزيز جودة التعليم. وفي إطار هذا السعي وتركيزًا على مستوى إعداد المعلم، تمّ تطوير برنامج يستهدف إعداد المعلمين وتزويدهم بالمهارات وبالمعرفة اللازمة لمواجهة التحدّيات الحديثة في التعليم.

يعدّ المعهد الوطني السنغافوري NIE من أكبر المؤسسات الأكاديمية العريقة والرائدة في مجال تميّز وريادة التعليم والبحوث التعليمية، وقد تأسّس عام 1950، وله دورٌ ريادي كبير في تشكيل وتطوير المنظومة التعليمية وطرق التدريس الحديثة في سنغافورة، ونقلها الى المملكة العربية السعودية. ومن الجدير بالذكر أنه شارك في إعداد البرنامج أحد عشر خبيرًا سعوديًا تمّ اختيارهم بعناية من الجامعات السعودية الست المشاركة في البرنامج كخبراء في المشروع الوطني النوعي، كما شارك في الحصول على التدريب الأساسي (100) مدرّب ومتدرّب ،أمضوا (6) أسابيع في تدريب مستمر؛ (3) منها في سنغافورة، و (3) منها في الرياض بإشراف المعهد الوطني و الشركة التعليمية، والهدف من التدريب نقل المعرفة .

كان الهدف من وجود الخبراء السعوديين هو التحقّق من أن تصميم برنامج إعداد المعلم الجديد متوائم ومناسب للتطبيق في المملكة العربية السعودية. وتركزت مهمة الخبراء مع اللجان المناظرة للشريك السنغافوري في القيام بمهمة الموائمة وتكييف المحتوى ليتناسب مع المحتوى الثقافي والبيئة السعودية، و مراجعة المقررات ومحتوياتها العلمية وموائمتها مع السياق السعودي، وتحديد المراجع ،وتصميم أنشطة العمل والتكليفات، ومعايير وجداول التقييم، وتقديم تعليمات وافية لأستاذ المقرر عن طريقة تطبيق الأنشطة والتكليفات والمشاريع.

كما شملت الموائمة التكيف مع اللوائح والتنظيمات السعودية، وتمّ تزويد الشريك السنغافوري بما يزيد عن (500) دراسة حالة ولعب أدوار تعليمية مستقاة من بيئات التعلم السعودية، ليتمّ إدراجها ضمن أنشطة المقررات الدراسية.

الجدير بالذكر أنه كانت هناك جهود مبذولة ممتدة لسنوات في محاولة لاختيار الجهة المثلى لاستقطاب برنامج دولي للمشاركة في إعداد برنامج إعداد المعلّم. وكان الاختيار مبني على مقومات تميّز بها البرنامج السنغافوري؛ فهو نظام تعليمي متقدّم ومرموق، ويُعدّ واحدًا من أفضل النظم التعليمية في العالم. حيث يتميز التعليم في سنغافورة بالجودة العالية على مستوى العالم، وقد احتلّ مراكز متقدمة في تصنيفات التعليم العالمية.
تُركّز سنغافورة على تعليم العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ممّا يساعد الطلاب على تطوير مهاراتهم في هذه المجالات. حيث تُحدَّث المناهج الدراسية في سنغافورة باستمرار لتعكس التطورات في مختلف المجالات، وتزوّد الطلاب بالمهارات والمعرفة اللازمة للنجاح في المستقبل.

يأتي البرنامج الجديد لإعداد المعلم في إطار التعاون بين المعهد الوطني للتطوير المهني التعليمي، والمعهد الوطني للتعليم في سنغافورة (NIE) وانطلق البرنامج اليوم في ست جامعات سعودية رائدة في مناطق المملكة المختلفة ؛ هي: جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل ،و جامعة الملك سعود، وجامعة الملك عبدالعزيز، وجامعة الملك خالد، وجامعة الأميرة نورة، وجامعة تبوك ، وهو برنامج نوعي لإعداد المعلمين. ولا يخفى على ذي لبّ أن إعداد المعلم الجديد من أهم العوامل التي ستؤثر بشكل مباشر على جودة التعليم، حيث يلعب المعلم دورًا حاسمًا في تشكيل مستقبل الطلبة وتطوير مهاراتهم.

من أهم مكونات البرنامج السنغافوري: التدريب النظري الذي يشمل جزءًا نظريًا يغطي الموضوعات الرئيسة المتعلقة بإعداد المعلمين، وأمّا الجزء الآخر فهو التدريب العملي حيث يتضمن البرنامج جزءًا عمليًا يتيح للمعلمين تطبيق ما تعلّموه في الفصول الدراسية ، أما العنصر الأخير فهو التقييم والتغذية الراجعة؛ حيث يتم تقييم أداء المعلمين خلال البرنامج، وتقديم التغذية الراجعة لهم لتحسين أدائهم.
أمّا أهداف البرنامج فمنها: تطوير مهارات المعلمين في مجالات متعددة، مثل التخطيط للدرس، والتعليم الفعّال، والتقييم، و تعزيز المعرفة بالمواد الدراسية، حيث يركّز البرنامج على تعزيز معرفة المعلمين بالمواد الدراسية التي يدرسونها، بما في ذلك الأساليب الحديثة لتدريسها. وكذلك تنمية المهارات الشخصية للمعلمين، مثل: التواصل الفعّال، والتعاون، والقيادة، و كذلك التركيز على تدريب المعلمين على استخدام التكنولوجيا في التعليم بما في ذلك البرمجيات التعليمية والموارد الرقمية.

أمّا أهم عوائد البرنامج المتوقعة فهو تحسين جودة التعليم حيث سيساهم في تطوير مهارات المعلمين ومعرفتهم من خلال زيادة كفاءتهم في التعامل مع التحدّيات الجديدة في التعليم، وتزويدهم بالمهارات والمعرفة اللازمة، لأنه سيقدّم ما يتوافق مع أفضل الممارسات العالمية مع الاستجابة لاحتياجات السياق المحلي.
وفي الختام يُعدّ برنامج إعداد المعلم الجديد الذي انطلق هذا الأسبوع في كليات التربية في الجامعات السعودية المختارة لتدريب أعضاء هيئة التدريس خطوة هامة نحو تحسين جودة التعليم في المملكة، وسيكون أمامنا الكثير من العمل من أجل التغيير للأفضل فيما يتعلق بإعداد المعلم الجديد وتنمية قدرات المتعلمين.
بدأ هذا الأسبوع البرنامج النوعي بأيدٍ سعودية، والمستقبل مبشّر لنكون كما تمنيت في مقالي قبل عامين، وهذا دليل على أن جهودًا تبذل وراء الكواليس وتسابق الزمن للوصول الى ما تطمح إليه رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وفي ضوء ذلك سوف تعود كليات التربية -بإذن الله- من جديد مصدر إشعاع حضاري.

• جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل

أ.د. أماني خلف الغامدي

جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى