Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
المقالات

مكة المكرمة تحت أنظار العالم

مع اقتراب موسم الحج كل عام، تتجه أنظار العالم بأسره نحو مكة المكرمة، هذه البقعة الطاهرة التي شرفها الله بأن تكون قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، حيث يتوافد إليها ملايين المسلمين من شتى بقاع الأرض، يجتمعون على صعيدٍ واحد، بألسنة مختلفة وملامح متباينة، لكن توحدهم عقيدة واحدة وشعيرة عظيمة هي ركن من أركان الإسلام الخمسة: الحج إلى بيت الله الحرام.
إن المشهد السنوي الذي تتفرد به مكة المكرمة لا يشبه أي مشهد آخر في العالم، إذ يجتمع الناس من كل فجٍّ عميق، من دول إسلامية تمتد من إندونيسيا في أقصى الشرق إلى المغرب في أقصى الغرب، ومن الجاليات الإسلامية التي تعيش في الدول الغربية والشرقية على حد سواء، ليؤدوا هذه الفريضة المباركة. إنها لوحة بشرية عالمية تنبض بالتسامح والوحدة والسكينة، وتؤكد بجلاء أن الإسلام دين السلام، والتنوع في إطار التوحيد.
ومما يلفت الأنظار أكثر من أي شيء آخر، هو المنظومة الخدمية المتكاملة التي تقدمها المملكة العربية السعودية لحجاج بيت الله الحرام، بدءًا من إصدار التأشيرات الإلكترونية، مرورًا بالتنقلات البرية والجوية، والإقامة في المشاعر المقدسة، وصولاً إلى الخدمات الصحية، والإرشادية، والتوعوية، والأمنية. إنها منظومة مترابطة ومتطورة، تعكس حجم الجهد والإخلاص الذي تبذله الدولة في سبيل خدمة ضيوف الرحمن.
فمنذ اللحظة الأولى لوصول الحاج إلى أرض المملكة، يلحظ التيسير والاحترام، والتنظيم العالي الذي يحفظ كرامته ويوفر له السكينة النفسية لأداء نسكه بطمأنينة، في ظل منظومة بشرية وتقنية ضخمة، تسخّر فيها الدولة كل إمكانياتها، وتجند أكثر من مليون موظف ومشارك ومتطوع من مختلف القطاعات الحكومية والأهلية لخدمة الحجاج. ويأتي هذا العمل الجبار في إطار رعاية مباشرة ومتابعة دقيقة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان – أيده الله، اللذين يضعان خدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن في مقدمة أولويات الدولة. فهما يتابعان الخطط ويشرفان على أدق التفاصيل، ويوجهان المسؤولين في كل موسم بتسهيل أداء المناسك للحجاج وتهيئة كل السبل لتيسير رحلتهم الإيمانية. وقد تجلت هذه المتابعة في حجم المشروعات العملاقة التي شهدتها مكة المكرمة خلال السنوات الأخيرة، ومنها توسعة الحرم المكي، ومشروعات النقل الذكي، والقطار السريع، والمنشآت الصحية الحديثة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي المستخدمة في إدارة الحشود، والتطبيقات الرقمية التي تهدف لتيسير المعلومات والإرشاد، مما جعل تجربة الحاج أكثر راحة وسهولة من أي وقت مضى.
إن مكة المكرمة حين تحتضن هذا الجمع العظيم من البشر كل عام، فإنها لا تؤدي فقط دورها الروحي والديني، بل تقدم أيضًا رسالة حضارية وإنسانية إلى العالم أجمع، بأن الإسلام دين التنظيم والنظافة والنظام، وأن المملكة العربية السعودية – برؤيتها القيادية – قادرة على إدارة أكبر تجمع بشري سنوي في العالم بكل احترافية واقتدار. لقد أصبحت مكة المكرمة – بفضل الله أولاً، ثم بجهود المملكة – نموذجًا يحتذى في إدارة الحشود، والتعامل مع الزوار والوافدين من خلفيات ثقافية متعددة، وهو أمر تنظر إليه كثير من الدول والمنظمات باحترام وإعجاب، وتحاول الاستفادة من التجربة السعودية في هذا المجال.
في الختام ، اقول إن أعين العالم كل عام تترقب موسم الحج، ليس فقط من منطلق ديني، بل أيضًا من زاوية إنسانية وتنظيمية وإعلامية. ومكة المكرمة، بما تحمله من مكانة وقدسية، وبما تقدمه من خدمات، تظل دائمًا منارة مضيئة للعالم الإسلامي، ومصدر فخر لكل مسلم، وشاهدًا حيًا على الجهود المباركة التي تبذلها المملكة العربية السعودية قيادةً وشعبًا في خدمة ضيوف الرحمن، وهو شرف لا تضاهيه مكانة، ولا تعادله مهمة.

د. تركي بن فهد العيار

أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى