المقالات

الموهبة الفطرية والشهادة العلمية!

إن الفرق بين الموهبة الفطرية والشهادة العلمية يكمن في طبيعتهما؛ فالموهبة قدرة فطرية وهبة ربانية، يولد بها الشخص في مجال معين، بينما الشهادة العلمية هي مجرد اعتراف رسمي بمستوى معين من المعرفة العلمية التي تم اكتسابها من خلال الدراسة في مؤسسة تعليمية.

ذكرتُ في مقال سابق أن عصر الشهادات العليا كالدكتوراه والماجستير قد أفل نجمه، وقلَّ وهجه، وفقد كثيرًا من بريقه مقارنةً بالماضي القريب؛ وذلك لأسباب من أهمها طغيان التقنية الحديثة والمتسارعة، التي قامت بالكثير من الوظائف والمهام التي كان يقوم بها العنصر البشري، وأصبح الآن الاعتماد أكثر على الأفراد الموهوبين الذين لديهم المهارة والتدريب، بغض النظر عما يحملونه من شهادات علمية.

قديمًا، هناك الكثير من العباقرة والعلماء المشهورين الذين أسهموا بشكل كبير في تقدم البشرية خطوات إلى الأمام، لم يحصلوا على شهادات جامعية، ناهيك عن الدكتوراه والماجستير، بل كان بعضهم من المتأخرين ذهنيًا، والمتعثرين تعليميًا، وحتى من المرضى نفسيًا، في سنواتهم الأولى.

فعلى سبيل المثال:
العالم الأمريكي توماس أديسون، الذي أضاء الدنيا بمصباحه الكهربائي، وأُشتهر بلقب صاحب الألف اختراع لتسجيله نحو (1093) براءة اختراع؛ ليكون رابع أكثر المخترعين إنتاجًا في التاريخ، طُرد من المدرسة بحجة أنه كسول وغبي وغير قابل للتعليم.

وعالم الفيزياء النظرية مكتشف النظرية النسبية والحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921م، الألماني ألبرت أينشتاين، كان فاشلًا في مسيرته الدراسية، لدرجة إخفاقه في تجاوز امتحانات الدراسة في المعهد العالي بمدينة زيورخ.

ومنهم أيضًا عالم الكيمياء البريطاني الشهير المهندس مايكل فاراداي، أحد العلماء العظام المشاركين في اكتشاف علم المجال الكهرومغناطيسي والكيمياء الكهربائية؛ فقد كان متأخرًا علميًا في سنواته الأولى، وكان مصابًا بمرض صعوبة النطق.

وعالم التاريخ الطبيعي والجيولوجي البريطاني صاحب نظرية التطور تشارلز داروين، كان يهرب من المدرسة ليمارس هوايته في تسلق الأشجار ومراقبة قوافل النمل.

وأختم بمكتشف الجراثيم وطريقة بسترة الألبان التي حملت اسمه، والذي كان دائم السرحان لدرجة تم تصنيفه من قبل الأطباء كأحد مرضى السرحان الذهني، ولم يكن يحمل مؤهلًا عاليًا.

ومن أحدث الأمثلة في أيامنا هذه رجل الأعمال والمبرمج الأمريكي بيل غيتس، الذي لم يستطع إكمال دراسته الجامعية في جامعة هارفارد الأمريكية، لكنه كان شخصًا موهوبًا، ابتكر نظام ويندوز للبرمجة وأسس في عام 1975م شركة مايكروسوفت، وقد صنع ثروته بنفسه، ويُعد اليوم على رأس قائمة أغنياء العالم حسب قائمة مجلة فوربس لأغنى أثرياء العالم.

إذًا، يجب ألا ننظر إلى ما يملكه الفرد من شهادات عالية كالماجستير والدكتوراه فقط، بقدر ما يحمله من مواهب وقدرات وعطاءات؛ والدليل أن معظم الموهوبين والعباقرة المشهورين لم يكونوا من أصحاب الشهادات العليا؛ لأنهم تفرغوا للإبداع والابتكار أكثر من تفرغهم للحصول على درجات علمية عالية.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. لقد احسن معالي الدكتور بكري عساس كعادته في مقالاته الهادفة حين ركز على اهمية الموهبة في صناعة المستقبل والتقدم في الحياة العملية لأن الموهبة هي مفتاح النجاح في كثير من المهن وهي الدافع الرئيسي للابداع والتفوق والابتكار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى