المقالات

استخدام التقنية والزّين ما يكمل!

في عصر تتسارع فيه الابتكارات وتتطور فيه الوسائل التقنية بشكل مذهل، لم تعد الخدمات الإلكترونية خيارًا بل أصبحت ضرورة، حيث اتجهت معظم الجهات الحكومية والخاصة في المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول إلى استخدام التقنية لتسهيل المعاملات، وتسريع الإجراءات، وتوفير الجهد والوقت على طالبي الخدمة. بل إن رؤية المملكة العربية السعودية المستقبلية الطموحة 2030 أولت التحول الرقمي اهتمامًا بالغًا، إيمانًا بدوره المحوري في تحسين جودة الحياة وتحقيق الكفاءة.
فاليوم، كما تعرفون ، يمكنك استخراج رخصة، أو تقديم شكوى، أو سداد فاتورة، أو حجز موعد طبي، أو حتى رفع دعوى قضائية من جوالك وأنت جالس في منزلك. وهذا التحول ليس مجرد رفاهية بل هو ضرورة حتمية لمواكبة التطور العالمي، وتقليل الاعتماد على الورق، والحد من البيروقراطية، وتسريع الإنجاز، وقد أظهرت إحصائية صادرة عن الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) أن أكثر من 90% من الخدمات الحكومية أصبحت متاحة إلكترونيًا، وبلغ عدد المعاملات الرقمية المنفذة عبر منصة “أبشر” أكثر من 350 مليون معاملة سنويًا. كما أن برنامج “يسر” للتعاملات الإلكترونية الحكومية أظهر أن التحول الرقمي أسهم في رفع كفاءة الأداء بنسبة تجاوزت 70% في بعض الجهات.
لكن – وكما يقال – “الزّين ما يكمل”، إذ برغم كل هذه الإيجابيات، إلا أن التعاملات الإلكترونية ليست بمنأى عن الثغرات والمخاطر، ومن الظلم التغني بالإيجابيات دون التطرق للسلبيات التي باتت تؤرق المستخدمين وتقلقهم. فمن أبرز السلبيات التي تصاحب استخدام التقنية:

1. الاحتيال الإلكتروني:
ازداد نشاط المحتالين الذين يستغلون الثغرات التقنية لتقليد مواقع رسمية، أو إرسال رسائل مزيفة تطلب من المستخدم تأكيد بياناته عبر رموز التحقق، ليقع ضحية في فخ الابتزاز أو السطو المالي. وأشارت دراسة لمركز الأمن السيبراني السعودي إلى أن أكثر من 30% من محاولات الاحتيال الإلكتروني تبدأ من روابط وهمية تحاكي منصات حكومية.

2. الاختراق وسرقة البيانات:
في حال غياب الحماية الكافية، يصبح من السهل اختراق قواعد البيانات أو اعتراض معلومات حساسة. وقد سجلت الهيئة الوطنية للأمن السيبراني مئات الهجمات السيبرانية التي استهدفت جهات مختلفة، بعضها نجح في تعطيل الخدمات مؤقتًا.

3. البطء في الردود والتفاعل:
رغم توفر القنوات الرقمية، إلا أن الضغط الهائل على بعض المنصات يؤدي إلى تأخر الرد أو تعذر الخدمة، مما يخلق حالة من الإحباط لدى المستخدم، ويعيده إلى التفكير في الطرق التقليدية كوسيلة أكثر ضمانًا للتجاوب.

4. غياب المساءلة في حال الخطأ: كثير من المتضررين من عمليات نصب أو اختراق إلكتروني يجدون أنفسهم في دوامة الإحالة بين جهة وأخرى، دون جهة تتحمل المسؤولية المباشرة، وهو ما يزيد من الإحساس بانعدام العدالة الإلكترونية، ويقلل من ثقة المستخدمين.
لذا ، اقدم بعض الحلول المقترحة وتعزيز الثقة للحد من هذه الظواهر الخطيرة وضمان استمرارية التحول الرقمي بثقة واستقرار، وهي على النحو التالي:

– تشديد إجراءات المصادقة والتحقق الثنائي، لضمان هوية المستخدم الفعلية.

– التوعية المستمرة للمجتمع حول أساليب الاحتيال، والتأكيد على عدم مشاركة رموز التحقق مع أي طرف.

– تحمل الجهات المقدمة للخدمة لمسؤولياتها كاملة، ومتابعة الشكاوى بجدية وإنصاف.

– تعزيز أنظمة الحماية السيبرانية وتحديثها باستمرار.

– تقليص الروابط الوهمية عبر أدوات كشف الروابط المزيفة وتنبيه المستخدمين بشكل آلي.
خلاصة القول ، التقنية نعمة عظيمة إن أحسن استخدامها وضبطت مداخلها ومخارجها. لا أحد ينكر ما وفرته من راحة وسهولة وسرعة، ولكننا نحتاج إلى وقفة جادة مع السلبيات التي بدأت تتسلل إلى هذا العالم الرقمي الرحب، ويجب ألا نسمح أن تكون “الضريبة” التي ندفعها هي الثقة والأمان.
فالمسؤولية مشتركة بين الجهة والمستخدم، وبين الحماية والتوعية، وبين التيسير والانتباه. وإذا كنا نردد أن “الزّين ما يكمل”، فلنجتهد في أن نكمل ما يمكن من هذا “الزين”، حتى لا نخسر مكتسبات رقمية عظيمة، ونعود إلى الورق والطوابير من جديد.
فالعاقل من اتعظ بغيره والمستفيد من التقنية من استخدمها بحذر ووعي.

• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

د. تركي بن فهد العيار

أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى