المقالات

فيروز… سيدة الصباح!!

أجيال عديدة فتحت عيونها صباحًا على صوت “سيدة الصباح” المطربة فيروز، الذي لا يزال برقّته وجماله يثير مشاعر الفرح والحب والحنان في نفوس المستمعين، حتى أصبحت أغنياتها أيقونات للحب والرومانسية.

وُلدت فيروز، واسمها الحقيقي نهاد حداد، في منطقة زقاق البلاط الشعبية في بيروت عام 1934م. وفي عام 1947م، وهي في سن الرابعة عشرة، اكتشفها أحد مؤسسي المعهد الوطني للموسيقى في بيروت الأستاذ محمد فليفل، حين كان يبحث عن مواهب لضمها إلى فرقته.

أُعجب بصوتها الموسيقار حليم الرومي، وقدّم لها مجموعة من الألحان التي لقيت صدى جيدًا، منها أغنية “تركت قلبي وطاوعت حبي”، واشتركا في غناء “عاشق الورد”. وهو من أطلق عليها اسم “فيروز” الذي ظلت تحمله إلى يومنا هذا. ولكن، حتى تلك الفترة، لم تحصل فيروز على النجاح الكافي.

ثم التقت بالأخوين رحباني، عاصي ومنصور، اللذين كانا من المواهب الصاعدة في مجال التلحين والشعر الغنائي، وحققت الأغنية “عتاب” التي قاما بتلحينها لها نجاحًا باهرًا بعد أن سجّلاها في الإذاعة السورية عام 1952م. تزوجت فيروز من عاصي الرحباني، وعاشا في بلدة أنطلياس المطلة على بيروت. أنجبت فيما بعد أربعة أطفال: ثلاث فتيات وولدها زياد، الذي كان الأقرب إليها، وقد كتب ولحّن لها العديد من أشهر أغانيها الجميلة.

في عام 1955م، غادرت فيروز مع زوجها عاصي إلى مصر لأول مرة، وكانت القاهرة آنذاك عاصمة أم كلثوم والمسرح والسينما والأغنية العربية. وحققت نجاحًا كبيرًا في هذه الرحلة، حيث تلقت العديد من العروض من الملحنين والمخرجين المصريين المشهورين.
عن صوتها قال الشاعر محمود درويش:
“صوت فيروز هو الوحيد الذي يجعلك ترى بيروت وأنت بعيد عنها، وتشعر بالحنين إليها وأنت فيها”.
أما الموسيقار محمد عبد الوهاب فقال:
“لو كان في الدنيا صوت يُعبّر عن الجمال الكامل، فهو صوت فيروز.”

غنّت فيروز لأول مرة أمام الجمهور في صيف عام 1957م، خلال مشاركتها في مهرجان بعلبك السنوي، وأصبحت بعدها ركنًا أساسيًا من عروض المهرجان، حيث كان الآلاف من لبنان والوطن العربي يتوافدون لحضور آخر المسرحيات والعروض الغنائية من كتابة وتأليف الأخوين رحباني.

ذاعت شهرتها خارج لبنان، وبات لها معجبون في كل الدول العربية والمهجر، فأحيت العديد من الحفلات في الدول العربية والعواصم الكبرى حول العالم مثل: نيويورك، سيدني، سان فرانسيسكو، مونتريال، لندن، وباريس.

خلال مسيرتها الفنية، حصلت على العديد من الأوسمة؛ فقد منحها رئيس الجمهورية اللبنانية كميل شمعون وسام الفروسية اللبناني تقديرًا لإنجازها الفني، وحصلت على وسام الشرف عام 1963م، والميدالية الذهبية عام 1975م من ملك الأردن الحسين بن طلال، وكرّمها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بوسام “جوقة الشرف الفرنسي” خلال زيارته لمنزلها في لبنان عام 2020م.

وظهرت فيروز – التي نادرًا ما تطل أمام الكاميرات – إلى جانب ابنتها ريما خلال مراسم تشييع ابنها زياد، أحد أبرز الموسيقيين في العالم العربي، صباح يوم الإثنين 28 يوليو الحالي.

وعلى الرغم من ابتعادها عن الأضواء والوسط الفني لسنوات طويلة، فإنها، وفقًا لإحصائيات منصة الإعلام السويدية “سبوتيفاي” (Spotify)، تُعد ثاني أكثر فنانة عربية استماعًا في العالم لعام 2024م.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى