المقالات

لا للتسول… نعم للعمل: بين الاتكالية والتكافل الواعي

رغم ما تبذله المملكة العربية السعودية من جهود مباركة في رعاية المحتاجين من خلال منظومة متكاملة من برامج الدعم والضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية، إلا أن ظاهرة التسول لا تزال تطل برأسها في الشوارع والأسواق والمساجد، بل وتغلغلت في الفضاء الرقمي عبر منصات مثل تيك توك وإكس (تويتر سابقًا) وواتساب، في مشهد يعكس تطوّر أساليب التسول واحترافه بوسائل تتماشى مع العصر الرقمي.
التسول ليس مجرد طلب عابر للمساعدة، بل هو سلوك يرسّخ ثقافة الاتكالية، ويضعف حس الكرامة والسعي، ويكرّس نظرة سلبية تجاه العمل والإنتاج. وتشير دراسات اجتماعية عديدة إلى أن التسول يخلق دوائر من الفقر الصناعي، حيث يعتاد بعض الأفراد على الحصول على المال دون جهد، فيفقدون الرغبة في العمل، وتتحوّل المساعدة المؤقتة إلى “مهنة دائمة”.
وبحسب تقرير لوزارة الداخلية السعودية، فقد تم القبض على أكثر من 18,000 متسول في عام 2023 فقط، بينهم وافدون ومحليون، وأُحيل العديد منهم إلى الجهات المختصة، ما يؤكد أن الظاهرة ليست فقرًا بقدر ما هي سلوك مكتسب أو منظَّم في كثير من الحالات. ومع الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، ظهرت أنماط جديدة من التسول الإلكتروني، يتخفّى أصحابها خلف صور أطفال مرضى أو عائلات محتاجة، ويستغلّون عواطف الناس لتحقيق مكاسب مالية شخصية. فقد حذّرت هيئة الإعلام والمرئي والمسموع من تنامي حملات إلكترونية مجهولة لجمع التبرعات دون تراخيص، مؤكدة أن كثيرًا منها خداع ممنهج، ويخالف نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.
الإسلام بطبيعة الحال حضّ على السعي والكدّ والعمل الشريف، فقال النبي ﷺ:

> “لأن يأخذ أحدكم حبله، فيأتي بحزمة من الحطب على ظهره، فيبيعها، فيكف الله بها وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه”.

وهذا ما يجب أن يكون شعار المرحلة: “لا للتسول… نعم للعمل”. ففرص العمل في المملكة كثيرة، وبرامج التدريب والدعم متوفرة لمن يطلبها بجدية. وقد أطلقت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية برامج مثل:
تمكين
تطوير المهارات
العمل الحر
برنامج الأسر المنتجة
لتحفيز الفئات غير النشطة اقتصاديًا على دخول سوق العمل والإنتاج.

للقضاء على التسول لا بد من تكامل الأدوار:

1. الجهات الأمنية: تكثيف الحملات التفتيشية، وتطبيق نظام مكافحة التسول الصادر بمرسوم ملكي، الذي ينص على غرامات وعقوبات رادعة.

2. وزارة الموارد البشرية: دراسة الظاهرة من جذورها، وتقديم برامج تدخل عاجل للمتعطلين عن العمل.

3. الجمعيات الخيرية: تحسين آليات الوصول للمحتاج الحقيقي، وعدم الاكتفاء بالدعم التقليدي، بل بالتمكين الاقتصادي.

4. وسائل الإعلام: توعية الجمهور بخطورة التبرع العشوائي للمتسولين، وتوضيح الفرق بين المحتاج الحقيقي والمتسوّل المحتال.

5. رجال الأعمال: دعم المشاريع الصغيرة للأسر المحتاجة، وتمويل برامج التدريب والعمل.

نحن بحاجة اليوم إلى تعزيز مفهوم التكافل الواعي، الذي يجمع بين الرحمة والعقل، وبين الإحسان والتنظيم، فليس كل من يطلب المال محتاج، وليس كل من صمت غني.
لنجعل من شعار “لا للتسول… نعم للعمل” واقعًا نعيشه، ونسهم في بناء مجتمع منتج، كريم، واعٍ، يعكس روح رؤية المملكة 2030 في تمكين الإنسان وتحفيزه على العمل والاعتماد على الذات.

• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

د. تركي بن فهد العيار

أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى