المقالات

ابتعاث الإعلام.. من التعلم إلى التأثير العالمي

في ظل التحولات الجذرية التي يشهدها المشهد الإعلامي العالمي، تتقدم المملكة العربية السعودية بخطوة استراتيجية جريئة عبر إطلاق برنامج ابتعاث الإعلام، في شراكة تكاملية بين وزارة الإعلام ووزارة التعليم، ليكون أحد المسارات النوعية لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث. هذه المبادرة لا يمكن قراءتها بوصفها مجرد فرصة أكاديمية، بل كأداة قوة ناعمة تستثمر في صناعة العقول وتشكيل خطاب وطني مؤثر يمتد أثره إلى خارج الحدود، بما ينسجم مع طموحات المملكة في تعزيز حضورها الدولي.
أهمية البرنامج تتجاوز تطوير الكفاءات المحلية إلى إعادة تشكيل البنية التحتية للقطاع الإعلامي السعودي، ليصبح منتجًا ومصدرًا للمعرفة والخطاب الرقمي المتقدم بدلًا من أن يكون مجرد مستهلك للتقنيات والمحتوى. ومن خلال استقطاب أفضل الممارسات العالمية في مجالات الإعلام الرقمي، والذكاء الاصطناعي، وتحليل البيانات، وإدارة المنصات، يضع الابتعاث حجر الأساس لاقتصاد إعلامي متكامل قادر على صياغة روايته الذاتية والتأثير في الرأي العام الدولي.
ويتيح البرنامج فرص دراسة في خمس عشرة دولة، مع دمج التعليم الأكاديمي بالتدريب العملي وربطه بمسار “واعد” المنتهي بالتوظيف، ما يعني أن الكفاءات العائدة ستدخل مباشرة إلى بيئة عمل مهيأة لاستثمار قدراتها. هذه المنهجية تختصر دورة إنتاج الكفاءات من سنوات إلى أشهر، وتمنح القطاع الإعلامي السعودي ميزة تنافسية في سباق الزمن مع الثورة التكنولوجية. ولضمان استمرار الأثر بعد انتهاء رحلة الابتعاث، سيكون من المهم توجيه الخريجين نحو ثلاثة مسارات متكاملة: بناء مراكز تفكير إعلامي تضم العائدين لتكون منصات بحثية واستشارية تقدم تحليلات استراتيجية لصانعي القرار وتبتكر أدوات إعلامية تخدم المصالح الوطنية؛ إنشاء حاضنات ومسرعات إعلامية تربط الكفاءات الجديدة برواد الأعمال والمستثمرين في مجال الإعلام الرقمي لإنتاج منصات ومحتوى سعودي قادر على المنافسة عالميًا؛ وتأسيس شبكة خبراء سعوديين في الخارج للحفاظ على الروابط المهنية مع المؤسسات العالمية وضمان تدفق المعرفة والتقنيات الحديثة إلى الداخل.
إن الاستثمار في رأس المال المعرفي الإعلامي لم يعد خيارًا ترفيهيًا، بل أصبح ضرورة أمنية واقتصادية وثقافية. وإذا ما أُدير برنامج ابتعاث الإعلام وفق رؤية تكاملية، فإنه قادر على تحويل المملكة إلى لاعب رئيسي في صياغة السرديات الإقليمية والدولية، معززًا مكانتها كقوة إعلامية صاعدة وقادرة على التأثير في المشهد العالمي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى