المقالات

النظام التعليمي… بوابة نهضة الأمم!!

في حفل أقامه نادي مدرسة المعلّمين العليا بالقاهرة عام 1932م، ألقى أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدته الشهيرة “قم للمعلم”، فكان مما جاء فيها:

يا أرضُ إنْ فقَدَ المعلّمُ نفسَهُ … بينَ الشموسِ وبينَ شرقِك حِيلا

ويفقد المعلم نفسه إذا لم يؤدِّ رسالته على أكمل وجه، لأنه بذلك يهدي الوطن جيلاً من الجهلة.

وحين نناقش هذه المعضلة، ندور في دائرة مغلقة! فالجامعات تلوم المدارس على ضعف مستويات خريجيها، والمدارس تلوم الجامعات لأن المعلّمين من خريجيها! وعلى الرغم من أن التعليم العام والعالي يتحملان قدراً من المسؤولية، إلا أن هناك قسطًا كبيرًا يقع على عاتق المجتمع.

إن مجتمعنا السعودي يحمل تقديرًا عظيمًا للطبيب والمهندس، وفي المقابل قدراً من اللامبالاة بالمعلم! فعندما يتخرج الأبناء بتفوق، يتوقع الوالدان والمجتمع أن يصبحوا أطباء أو مهندسين، ولو فكّر أحدهم في دخول كلية تنتهي به إلى التدريس، فإنه سيواجه صدودًا وربما اتهامًا بقصر النظر!

ونتيجة لهذا الضغط المجتمعي، يتجه الأكفاء والنوابغ إلى الكليات العلمية، بينما تبقى الكليات النظرية – التي تخرّج المعلمين – مكانًا لأصحاب الدرجات المتدنية. وبذلك نكون أمام ضعف مخرجات التعليم العام، الذي يقوم عليه أساتذة لم يُسقْهم إليه إلا ضعف مستوياتهم العلمية.

حين شعرتْ أمريكا بالخطر عام 1981 بسبب تراجع طلابها في المسابقات الدولية، شكّلت لجانًا لدراسة واقع التعليم. وفي عام 1983 صدر التقرير الشهير: “أمة في خطر”، الذي شخَّص التعليم الأمريكي بجرأة، ومن عباراته اللافتة: «لا ينجذب نحو مهنة التدريس العدد الكافي من الطلاب القادرين أكاديميًا، وأن عددًا كبيرًا ممن اجتذبتهم المهنة هم من الربع الأدنى أكاديميًا من خريجي المدارس الثانوية والجامعات».

وبناءً على ذلك، رُفعت معايير القبول في الكليات التربوية، حتى أصبح القبول فيها عسيراً، لا يقدر عليه إلا ذوو العقول والمواهب، فاستعاد التعليم الأمريكي بعض ألقه.

وعلى الضفة الأخرى، نجد سنغافورة التي التحقت بالعالم الأول خلال سنوات قليلة. وقد قال باني نهضتها الحديثة “لي كوان” للمعلمين: «أنا أبني الوطن، وعليكم بناء المواطن». فجعل من تعزيز النظام التعليمي البوابة الكبرى لنهضة سنغافورة المذهلة.

ومن أبرز سمات التعليم السنغافوري: الشروط الصارمة للالتحاق بكليات التربية، والأشد صرامة لإكمال الدراسات العليا التربوية؛ إذ يلزم لذلك عشرون سنة من الخبرة، ونماذج مشرِّفة من طلابك، وسيرة ذاتية مميزة.

وفي اليابان يتمتع المعلّم بمكانة اجتماعية مرموقة، ويُنظر إليه كرمز للشرف والاحترام، ويُعرف بتفانيه وإخلاصه، حيث يبذل جهودًا كبيرة لتحضير الدروس وتطوير مهاراته باستمرار.

أما فنلندا – الدولة الصغيرة الواقعة في أقصى شمال أوروبا – فقد وضعت التعليم على رأس أولوياتها. هناك يتعلم الطلاب كيف يحصلون على المعلومات، لا كيف يجتازون الامتحانات. ويحظى المعلمون بتقدير كبير واستقلالية واسعة، ويُختارون بعناية من بين أفضل الكفاءات.

فهل نجد في واقعنا التعليمي شيئًا من ذلك؟ أم نجد ممانعة مجتمعية كلما حاولت الجامعات أن تشدد في شروط قبولها؟

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى