ورد في كتاب “النساء ومهنة الطب في المجتمعات الإسلامية” لمؤلفتيه أمينة أبو بكر وهدى السعدي، أن النساء تخصصن بصفة عامة في ثلاثة مجالات هي: جراحة الحروب، وأمراض النساء أو ما تسمى بالقبالة، وطب العيون (الكحالة).
أما في العصور الإسلامية الأولى، فقد كان يُعتمد عليهن في استخراج السهام من جرحى الحروب، وتطهير الجروح والمحافظة على نظافتها، ووقف النزيف، وأحيانًا إجراء البتر والكي.
وعلى الرغم من كثرة الأطباء الذكور المسلمين المشهورين، فقد كانت هناك أيضًا طبيبات مسلمات شاركن في ممارسة الطب وأسهمن في تقدمه وتطوره.
ومن أشهر هؤلاء الطبيبات السيدة أم الحسن بنت العالم والقاضي أحمد بن عبد الله بن عبد المنعم أبي جعفر الطنجالي، التي عاشت في الأندلس. ولم تذكر كتب التراجم تاريخًا دقيقًا لميلادها أو وفاتها، إلا أنه من المعروف أنها عاشت في القرن الثامن الهجري، الموافق للقرن الرابع عشر الميلادي، أي قبل سنة 750هـ، وهي سنة وفاة والدها.
اشتهرت أم الحسن بممارسة الطب وتدريسه في بلاد الأندلس، فقد كانت واسعة الاطلاع، كثيرة المعارف، أجادت علومًا متعددة، لكنها برزت بشكل خاص في الطب والعلاج. وقد ورثت هذه الصناعة عن والدها القاضي أحمد بن عبد الله الهاشمي الطنجالي، الذي قدم إلى الأندلس من المغرب، وكان ملمًا بعلم الطب ومعنيًا به.
ترعرعت أم الحسن في أحضان الكتب والدواوين والحلقات العلمية، وشاركت والدها البحث والتدقيق في قضايا الطب. ولم تكن بارعة في أصول الطب وحده، بل كانت أيضًا متمكنة من علوم القرآن وقواعده، مما يعكس التكامل العلمي في شخصيتها. وكانت تؤكد لطلابها أن العلم لا يؤخذ من بطون الكتب فقط، بل من حلقات الدرس والعلم والمعرفة.
كما برزت أم الحسن في الشعر ونظمه، وحظيت بتقدير كبير من علماء المسلمين وشعرائهم، حتى وصفها المؤرخ والأديب الشهير لسان الدين بن الخطيب، الملقب بـ “ذي الوزارتين وذي العمرين والميتتين”، بأنها نبيلة حسيبة، فاضلة الأدب والمجادلة، مشيدًا بتفوقها في الأدب والعلم.
لقد تركت أم الحسن فراغًا بعد رحيلها، نظرًا لمكانتها العلمية والأدبية المرموقة. ومن شعرها الذي وصلنا قولها:
الخطُّ ليس له في العلم فائدةٌ … وإنّما هو تزيينٌ بقرطاسِ
والدرسُ سؤلي لا أبغى به بدلاً … بقدرِ علمِ الفتى يسمو على الناس


