الحمدُ للهِ الذي جَعَلَ بلادَنا قِبلةً للمسلمين، وبَعَثَ فيها ومنها سيدَ الخلقِ وإمامَ الغُرِّ المُحجَّلين، فيها نزل القرآن، ومنها شعَّ نورُ الإيمان. نصرها بالدِّين، فأبتْ إلا أن تكون له ناصرة، لا يضرها من خذلها إلى يوم الدين.
تحتفل بلادُنا الحبيبة بيومها الوطني في الثالث والعشرين من سبتمبر من كل عام، حيث يُعَدّ هذا اليوم عيدًا وطنيًا. ويُمثل احتفال هذا العام 2025م الذكرى الخامسة والتسعين لهذه المناسبة، حبًا وعرفانًا وتذكيرًا بما قام به الملك المؤسس عبدالعزيز –رحمه الله– من جهد، بعد توفيق الله سبحانه وتعالى، في توحيد بلادنا الحبيبة تحت اسمها الحالي: المملكة العربية السعودية.
عندما نتحدث عن الوطن فإننا نتحدث عن الأرض التي وُلدنا فيها، الأرض التي تمشي عليها أمجادنا وأهلنا وأقاربنا. فالوطن هو الذي يمنحنا الكرامة، وهو ملاذنا بعد الله. فكيف إذا كان الوطن يحتضن الحرمين الشريفين؟ وكيف إذا كان هو الأرض التي لا يُقام الركن الخامس من أركان الإسلام –حج بيت الله الحرام– إلا عليها؟
إن محبة الأوطان فطرة في الكائنات الحية، حتى النبات لا ينمو إلا في موطنه، وما كانت هجرة الطيور أو هجرة قطعان الحيوان إلا صراعًا أبديًا بين طلب العيش والعودة إلى حضن الوطن الأم. فإذا كان هذا حال من لا يعقل ولا يدرك من نبات وحيوان، فكيف بالإنسان المفعم بالعقل والمنطق، والإحساس والمشاعر؟
لقد أدركت البشرية منذ وقت مبكر قداسة المكان وحرمة الأوطان، فذادت عنها، وقاتلت من أجلها، وبذلت في سبيل الحفاظ عليها الأنفس والأموال. وما زال أقل الناس منزلة ونُبلاً هو أقلهم حبًا لوطنه واعتزازًا به. وما استبشع الخلق خيانةً كخيانة الوطن، ولا احتقروا أحدًا كبائع أرضه ووطنه مهما غلا ثمن البيع!
حتى إن العرب قديمًا كانوا يَعرِفون أهل النبل والفضل بمحبتهم للأوطان، وقد جاء في كتاب العقد الفريد عن بعض أهل الحكمة: “يُعرَف أهلُ الوفاء بحنينهم إلى الأوطان”.
إن تعلق الإنسان بوطنه ليس تعلقًا عابرًا، فالأمر يتجاوز النشأة والنمو، إنه أسمى من ذلك بكثير؛ إذ يمثل العرض والكرامة، والعزة والشرف، والانتماء. وقد رُوي قديمًا أن بعض العرب إذا سافر عن وطنه حمل معه قبضة من تراب وطنه يشمها في غربته كلما اشتد به الحنين، فيهدأ قلبه ويزول ما به من ضعف.
كيف لا والوطن هو التاريخ والحاضر؟! إنه عبق الأجداد، وتطلّع الأبناء، ومستقبل الأحفاد. وما زال كرامُ الناس يفخرون بأوطانهم، ويتباهون بمحبتها، ويجدون مرارة البعد عنها.
اللهم احفظ بلدنا الحبيبة، المملكة العربية السعودية، وقيادتها وشعبها من كل سوء ومكروه.
وكل عام ووطننا بألف خير.


