قراءة في كتاب : خطة المئة يوم للقيادات الاستراتيجية
بعد أن استعرضنا في المقالة الأولى مفهوم العلامة الشخصية للقائد وكيف أصبحت عملية استراتيجية شاملة تعتمد على الجوهر الحقيقي والأداء الملموس – حيث أكدت إحصاءات أن 92% من المهنيين في الشرق الأوسط يرون أن العلامة الشخصية الجيدة تسهم بشكل فعّال في تسويق الفرد في سوق العمل – انتقلنا في المقالة الثانية إلى استكمال البناء القيادي عبر استعراض أهم ثلاث سمات للقائد الناجح: السمات الجوهرية، والسمات الشخصية، والسمات القيادية.
وتأتي هذه المقالة (الثالثة ) لتكمل البناء القيادي عبر توضيح الاستراتيجيات التي يمكن للقادة الجدد اتباعها خلال المائة يوم الأولى لتولي المنصب، مبرزةً كيف أن التخطيط المدروس وتنفيذه بثباتٍ يضع حجر الأساس لقيادة ناجحة ومؤثرة، مع استعراض أمثلة تاريخية من تجربتي الملك سلمان والرئيس الأمريكي روزفلت.
استراتيجيات النجاح في المائة يوم الأولى
لضمان نجاح القائد الجديد في منصبه، عليه إدراك أن المائة يوم الأولى تشبه التَجُول في غابة مجهولة، مما يتطلب اتباع استراتيجيات دقيقة، أبرزها:
1. الاستعانة بالمرشدين والمستشارين:
لا ينبغي للقائد الجديد الدخول في متاهات الغابة المجهولة وحدَه. بل من الحكمة أن يبحث عن مرشدين موثوقين، سواء من داخل المؤسسة أو مستشارين خارجيين، ممن يمكنه سؤالهم بأي شيء دون تردد. ويُنصح بتشكيل فريق انتقالي يضم مستشارين مقربين وموظفين ذوي خبرة من مختلف الأطياف لضمان رؤية شاملة ومتوازنة.
2. الاستعداد للرحلة قبل البداية:
يجب على القائد أن يحدد قيمه الجوهرية القابلة للتعليم، وأن يبادر بتكوين وتوطيد العلاقات الأساسية مع الآخرين، وأن يكون واضحاً تماماً بشأن المهمة المنوطة به والمسؤوليات التي يقتضيها منصبه.
3. البداية بقوة:
يُعد التأثير المبكر للقائد الجديد عاملاً حاسماً. مما يتوجب عليه اتخاذ إجراءات تنفيذية وقرارات سريعة خلال الـ 72 ساعة الأولى، مثل إجراء مقابلات مع مكونات المؤسسة، وملء المناصب القيادية الشاغرة، ومراجعة الهياكل التنظيمية.
4. الاستعداد لقيادة عملية استراتيجية :
يجب ألا يدخل القائد بعقلية “استراتيجية جاهزة”، بل يجب أن يكون مستعداً لقيادة عملية استراتيجية ديناميكية من خلال تقييم شامل لوضع المؤسسة، وقدراته الشخصية، ووضع المنافسين، واحتياجات العملاء أو الجمهور.
تجارب قيادية ملهمة
ما يشبه تجربة الملك سلمان محلياً، نجد نظيرها عالمياً في تجربة الرئيس روزفلت:
· خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز: قدّم في المائة يوم الأولى من حكمه، نموذجاً يُحتذى في القيادة الحازمة. فعلى المستوى الداخلي، نجح في تعزيز أركان الدولة وأصدر العشرات من القرارات الملكية التي أعادت تشكيل مجلس الوزراء وإلغاء كيانات واستحداث أخرى، كما خصص 110 مليارات ريال سعودي لتطوير المرافق والخدمات. وعلى الصعيد الخارجي، أطلقت قيادته عملية “عاصفة الحزم” كأحد أبرز الإنجازات التي ساهمت في صد التدخل الخارجي في المنطقة.
· الرئيس فرانكلين روزفلت: واجه كارثة الكساد العظيم بجرأة وحسم. أطلق حزمة من المبادرات الجريئة عُرفت بـ “الصفقة الجديدة” لإنعاش الاقتصاد المنهار. بمجرد توليه الرئاسة، دعا الكونجرس لجلسة استثنائية لتنفيذ مبادراته، بما فيها إصلاح النظام المصرفي، مما أعطى انطباعاً قوياً عن قيادته الحازمة.
وفيما يلي متطلبات الخطة العملية للقائد الجديد:
1. وضع خطة مائة يوم واضحة:
يجب أن تضع رؤية واضحة للنجاح المستقبلي، وتحديد الإنجازات المستهدفة في كل مرحلة: الثلاثين يوماً الأولى (نجاحات مبكرة)، والثلاثين الثانية (قمة الأولويات)، والثلاثين الثالثة (استبصار الرؤية طويلة المدى).
2. التواصل الفعال والإعلان عن البرنامج:
على القائد استخدام جميع قنوات التواصل المتاحة – من اجتماعات وإعلام وبريد إلكتروني – للإعلان عن برنامجه ورسالته بثقة ووضوح، وشرح معايير النجاح للجميع.
3. بناء فريق متميز:
مع نهاية الشهر الأول، يكون بناء فريق قوي ومتماسك من الأولويات الأساسية. يجب أن يجتمع القائد مع فريقه لشرح الرؤية والأهداف والاستراتيجيات والقيم الجوهرية لضمان التوافق والانطلاق قدماً.
4. تأمين إنجازات مبكرة:
العمل على تحقيق إنجازات سريعة، حتى لو كانت صغيرة، لتعزيز المصداقية الشخصية وبناء زخم إيجابي داخل المؤسسة، مما يمهد الطريق للإنجازات الكبرى المستقبلية.
5. بناء تحالفات استراتيجية:
خلال المائة يوم الأولى، من الضروري السعي لبناء تحالفات تدعم أهداف القائد وتطلعات الآخرين. ومد جسور التفاهم مع الجميع، والتركيز على المصالح المشتركة بدلاً من التموضع في المواقف الجامدة التي لا تخدم قيم ومبادئ المؤسسة ولا تحقق أهدافها.
في الختام
فإن المائة يوم الأولى تمثل اختباراً حقيقياً للقائد الجديد (أياً كان موضعه)، حيث أن النجاح خلالها لا يبني الثقة فحسب، بل يخلق زخماً قوياً يدعم مسيرة التحول والتميز. إن الاستفادة من هذه الاستراتيجيات، مستلهمين الدروس من النماذج القيادية الناجحة، محلياً وعالمياً وعلى جميع المستويات تُعد منطلقاً آمناً نحو قيادة فعالة تترك أثرها الإيجابي في المؤسسة والمجتمع بحول الله وقوته.





