بعد أن تناولنا في المقالات السابقة مفهوم «العلامة الشخصية» للقائد الاستراتيجي، وأبرز سمات القائد الناجح، والاستراتيجيات العملية للمئة يوم الأولى، وأخيراً مرحلة «ما قبل القرار»، نأتي اليوم إلى التطبيقات الميدانية الفعلية لهذه الخطة في قطاعين وطنيين حيويين: التعليم العالي وتخصيص القطاع الصحي.
أولاً: في مؤسسات التعليم العالي
القائد الجديد في اي من مؤسسات التعليم العالي يعلم أن المئة يوم الأولى هي «فترة الحسم». وأهم ما يجب أن ينجزه خلالها هو التأكد من وجود خطة استراتيجية متكاملة تربط الأبعاد الأربعة الأساسية:
1 العملية التعليمية
مواءمة البرامج الأكاديمية مع احتياجات سوق العمل في ظل رؤية 2030، تطوير المناهج، تفعيل التعلم النشط (Blended & Flipped Learning)، تدعيم البنية التحتية من فصول ومختبرات، وإطلاق تخصصات وطنية ذات أولوية مثل الذكاء الاصطناعي، الأمن السيبراني، الطاقة المتجددة، والتقنية الحيوية.
2 البحث العلمي
مراجعة فورية للأولويات البحثية الوطنية، وضع آليات سريعة لرفع النشر في قواعد (Scopus & Web of Science)، تفعيل شراكات بحثية عالمية، وإطلاق صناديق تمويل داخلية للبحوث التطبيقية ذات الأثر الاقتصادي المباشر.
3 خدمة المجتمع
إطلاق مبادرات مجتمعية ملموسة: برامج تدريب مجانية، مراكز ريادة أعمال، حاضنات أعمال للطلاب والخريجين، وتنظيم مؤتمرات وطنية تقيس أثر الجامعة على المجتمع المحلي.
4 الاستدامة المالية
مراجعة مالية شاملة، تنويع مصادر الدخل (برامج مدفوعة، شراكات قطاع خاص، أوقاف تعليمية، استثمار الأصول)، وترشيد الإنفاق دون المساس بالجودة.
بهذا التكامل السريع يحقق القائد الجديد في المئة يوم مواءمة كاملة مع رؤية 2030، ويكسب ثقة الجهات الرقابية والمجتمع معاً.
ثانياً: في برنامج تخصيص القطاع الصحي
أما القائد الجديد المسؤول عن دفع عجلة التخصيص الصحي (سواء على مستوى الوزارة أو هيئة الرعاية الصحية أو التجمعات)، فإن المئة يوم الأولى يجب أن يتأكد فيها من توفر مقومات عشرة إنجازات استراتيجية كبرى هي :
1 إصدار ونشر كامل الأنظمة واللوائح المحفزة للقطاع الخاص (الشراكة، الحوافز، التسعير، نقل الأصول، حماية المستثمر).
2 إطلاق أول حزمة استثمارية رسمية تضم 25–40 فرصة جاهزة في 8–10 مناطق.
3 الجاهزية لتوقيع أول 3–5 اتفاقيات شراكة فعلية (PPP) مع مستثمرين محليين ودوليين.
4 اعتماد الجدول الزمني التنفيذي المفصل لمراحل التخصيص حتى 2030 واعتماده من الجهات العليا.
5 إطلاق «خريطة التغطية الصحية الشاملة» التي تضمن وصول كل مواطن إلى خدمة متخصصة خلال 60 دقيقة بحلول 2030.
6 تدشين منصة إلكترونية موحدة للتخصيص الصحي.
7 إصدار «دليل المستثمر الصحي 2026-2030» بالعربية والإنجليزية.
8 رفع نسبة الخدمات القابلة للتخصيص إلى 65% على الأقل.
9 توقيع مذكرات تفاهم مع 5–8 مشغلين عالميين مرموقين (Mayo Clinic، Cleveland، Fresenius… إلخ).
10 إطلاق أول برنامج تدريبي وطني للكوادر الإدارية السعودية في إدارة المستشفيات المخصخصة (500–800 متدرب).
بهذه الإنجازات العشرة يثبت القائد الجديد أن التخصيص ليس مجرد نقل إداري، بل نقلة نوعية في جودة الخدمة وتوفرها واستدامتها وشموليتها لكل مواطن في كل ركن من أركان الوطن، تماماً كما أرادت رؤية 2030.
ختاماً
المئة يوم الأولى ليست مجرد فترة انتقالية، بل هي الفرصة الذهبية لبناء الثقة، وإثبات الجدارة، وترك بصمة لا تُمحى.
من ينجح فيها يرسم مسار نجاحه لسنوات، ومن يُفرّط فيها قد لا يجد فرصة ثانية.
نتابع في المقالة القادمة بإذن الله…
والله ولي التوفيق.





