عام

د. بكري عساس عندما تتلمذ على أيديهم

التقيت ولأول مرة مع معالي د. بكري بن معتوق عساس عندما كان وكيلاً لجامعة أم القرى في مناسبة خاصة أقامها العمدة الراحل محمود البيطار _يرحمه الله _ ولكونها مناسبة عابرة ونظراً لتباعد مواقع أماكننا لم أخرج في تلك الليلة بأي انطباع عن معاليه لا من حيث الملامح العامة لشخصيته، ولا من خلال معرفة رؤيته التعليمية الجامعية،ثم التقيت به مرة أخرى في منزله في العام الماضي قبيل شهر رمضان المبارك؛ لإجراء حوار صحفي رمضاني عبر هذه الصحيفة المكية الطموحة برفقة الصديق م. إبراهيم زاهد قدسي وبطبيعة الحال قبل أن التقيه بساعات تبادر في ذهني بعض الاستفهامات حول طبيعة هذا الضيف الكريم من حيث سماته الشخصية، أو من حيث تطلعاته الفكرية، واهتماماته الخاصة، ومدى سعة صدره في طرح الأسئلة وبمجرد مقابلته داخل مكتبه تلاشت كل تلك الاستفهامات، وأزيلت الكثير من الحواجز بفضل حسن استقباله، وتواضعه الجم، وشخصيته المرحة من خلال أحاديثه الطريفة، والمواقف المضحكة وخاصة قصة الموظف في مكتبه والذي طلب منه الدعاء له بمبلغ مالي كبير وتحقق له ذلك ولكن عبر مشاجرة غريبة ..!! وكأني لم أصدق وأنا أنظر تجاهه أن هذا الرجل كان يوماً مسؤولاً وفي منصب تعليمي مرموق فقد وجدته متوافقاً مع حياته الجديدة فلا تكلف أبداً في الكلام، ولا تعالٍ في التعامل، ولا تصنع في المقابلة. وحقيقة أكاد أجزم أنه من الشخصيات الواقعية القليلة جداً بمعنى أن قيود المنصب أزالها عن نفسه تماماً فهي لم تعد تثقله، أو تعنيه في شيء فقد ذهب المنصب وبقي الإنسان بكري عساس.

وفي يوم الثلاثاء الماضي قمت بزيارة لمعاليه في مكتبه الخاص بعد دعوة كريمة منه وبوجود مجموعة من أصدقائه الأفاضل حيث أهداني معاليه بكل لطف مجموعة من إصداراته المتنوعة.. ولكني وجدت نفسي وقد توقفت كثيراً عند كتابه: “تتلمذت على أيديهم”حيث شدني عنوان الكتاب وبدأت بقراءته وكانت توقعاتي مقاربة لما أعتقدته فقد وجدت في الكتاب الكثير من العمق في الطرح، والفائدة في المحتوى، والبساطة في الأسلوب، والمصداقية في التفاصيل. وقد بدأ بسرد كتابه “تتلمذت على أيديهم”بعد مقدمة من معالي د.خليل بن إبراهيم البراهيم عضو مجلس الشورى ورئيس جامعة حائل السابق بأن أول من تتلمذ على يديه هو والده الشيخ معتوق بكري عساس_ يرحمه الله_ فقد ذكر حسن تربيته ومتابعته له في شأنه اليومي مما كان له الفضل الكبير في تعلمه أداء الصلاة، وقراءة القرآن، والتعليم، ولم ينس دور والدته _حفظها الله _ فعلى الرغم من عدم نيلها شهادات تعليمية فقد تعلم منها العديد من القيم الثابتة، والمبادئ الراسخة، كما تطرق إلى ما كان سائداً في ذلك الوقت من مشاركة الجار في جزء من التربية من خلال النصح والإرشاد والتوجيه مع تربية “الفضاء المفتوح”..!، كما ذكر أساتذته في بيوت الله تعالى ومقدار فضلهم عليه، وأساتذته في المدارس والجامعات في الداخل والخارج. وأضاف إلى أولئك النخبة مجموعة من رجالات المجتمع ومن خلال تعاملات مختلفة وفقاً للمواقف الخاصة بكل شخصية اجتماعية.

إن الجميل في هذا الكتاب القيم، والأجمل في شخصية معاليه هو إبراز الأحداث والمواقف الأولية في حياته فهو يقدم جانباً هاماً من بداياته بلا تصنع، ولا حتى حرج من جانب طلب الرزق حيث عمل في مقهى والده من بعد صلاة الفجر مباشرةً إلى بداية الدوام المدرسي، كما عمل سائقاً للباص فترة الموسم، وعمل وسيطاً عقارياً إلى أن تسنم منصب مدير الجامعة، إضافة إلى عظيم مشاعر الوفاء التي يملكها فهو يكاد يذكر كل من له فضل عليه في حياته منذ البدايات في حارته المكية وصولاً للشخصيات الاجتماعية الأخرى.. بدءاً بوالده ووالدته ومروراً بمعلميه كافة، وانتهاءاً في أسوار الجامعات بمختلف مراحلها، كما ذكر العديد من مختلف القامات الأخرى والتي تعامل معها بكل محبة واحترام وتقدير متبادل في حياته اليومية سواء داخل الوطن أو خارجه، كما عرج إلى ركن هام جداً في العملية التربوية والتعليمية حيث يشعرك أنها أحد همومه الدائمة، ويتحدث تحديداً عن المعلم القدوة حيث يقول وبشعور صادق ممتزج بالأمل، ويعتريه بعض الألم ما نصه: ” إن المعلم الحق هو مزيج من خمس عناصر: دين يعصمه، وعقل يكرمه، وعلم يلهمه، وأخلاق تفومه، ومهارة تقدمه؛ فيفقد المعلم من نفسه بمقدار مايفقده من هذه العناصر. فإذا فقدها كلها فهذا يعني أنه قد فقد نفسه حقا”. وفي واقع الأمر كل ما كُتب في هذا الكتاب يستحق التأمل في جمله المسطرة بدقة فهي تجربة حياتية إنسانية جديرة بالاطلاع، مليئة بالتجارب المفيدة، غنية بالخبرات الكبيرة، والنتائج المأمولة تستفيد منه بعد توفيق الله الأجيال الشبابية في مستقبلها المرجو. وسيكون وبلا شك هذا الكتاب “تتلمذت على أيديهم” إضافة جديدة للكتب القيمة في المكتبة العربية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الدكتور بكري شخصية فريدة وذات مواهب متعددة وهو رجل ناجح في حياته العلمية والعملية ويتصف بتواضع جم وسجية نقية وذات طبيعية وهو طموح وقائد فذ وهو حركي البدن والعقل ونفسه مرحه ع الدوام

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى