المقالات

الجامعة العربية.. بين التراجع والإصلاح!

المطالبة بتدوير منصب الأمين العام
ظهرت مؤخرًا دعوات من بعض الكُتّاب تطالب بإنهاء ما وصفوه بـ”احتكار” مصر لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، و”خروج الأمانة العامة للجامعة من هيمنة الخارجية المصرية”، وهو “تقليد” بدأ مع تأسيس الجامعة عام 1945. وقد آن الأوان بعد مرور 75 عامًا لإحالته إلى التقاعد. ويؤكد أصحاب هذا الرأي أن استمرار احتكار هذا المنصب لا يخدم مصلحة مصر ولا مصلحة الجامعة.
هل يستحق المنصب كل هذا الجدل؟
في ظل التراجع الكبير لدور الجامعة العربية، يصبح الجدل حول من يتولى أمانتها العامة أشبه بالجدل حول من سيقود سفينة غارقة. وهو جدل – برأيي – غير مفيد ولا مثمر. فأنا من الذين رأوا سابقًا، وما زلت أؤمن بعدم جدوى الجامعة العربية من الأصل، لضعف الأداء وغياب الفاعلية.
فهي كيان يبدو “ميّتًا” منذ نشأته، وأصبحت القمم العربية طقسًا شكليًا لا يحقق نتائج ملموسة، كما ظهر في العديد من القمم التي عُقدت بحضور أقل من نصف القادة العرب. ومن أبرزها القمة الأخيرة في بغداد، التي لم يحضرها سوى خمسة رؤساء عرب، إلى جانب الرئيس العراقي المضيف.
وقد ذكرت في مقال قديم أن “الجامعة العربية كيان ميّت”، وأن “مجرد اهتمام سياسي ما بمنصب الأمين العام يعني أنه اختار الفشل من اليوم الأول”.
أبرز النقاط التي تثير التشاؤم:
  1. غياب التأثير: لا دور فاعل في القضايا العربية المصيرية، مثل القضية الفلسطينية أو أزمات سوريا وليبيا واليمن.
  2. البيروقراطية: تحولت إلى جهاز إداري جامد، توضع قراراته في الأدراج دون تنفيذ.
  3. التكلفة: إهدار للمال والوقت في اجتماعات لا تنتج إلا خطبًا عصماء وبيانات شكلية.
المملكة وإصلاح النظام العربي
تطرّقت في كتابي المنشور عام 2023 بعنوان (مع سعود الفيصل) إلى مشاريع الإصلاح التي أطلقتها المملكة العربية السعودية، والتي لم تقتصر على الداخل، بل شملت السعي لإصلاح المنظومة العربية كاملة.
ففي عام 2005، قدّمت المملكة ورقة عمل لجامعة الدول العربية تضمّنت مشروعًا لإصلاح العالم العربي، معترفة بأن الأزمة أزمة قيادات عربية.
دعت المبادرة السعودية إلى ميثاق عربي جديد يضمن حماية المصالح المشروعة، ويحقق المطالب العادلة للأمة، ويعزز العمل المشترك ضمن إطار واضح، وآليات تنفيذ حقيقية.
وقد سبق ذلك طرحٌ متقدّم للإصلاح قدمه سمو الأمير سعود الفيصل، وزير الخارجية الأسبق، خلال ندوة “إصلاح البيت العربي – المحور السياسي”، ضمن مهرجان الجنادرية بالرياض (20 ديسمبر 2003). حيث أكّد أن الإصلاح الذاتي وتطوير المشاركة السياسية هما المدخلان الأساسيان لتجاوز الأزمة الهيكلية وبناء نهضة عربية شاملة.
ولا أريد الإطالة في عرض تفاصيل الكتاب، لكنني أؤكد مجددًا: بدون إصلاح جذري في النظام العربي، سيبقى أداء الجامعة العربية ضعيفًا، لا يقدّم سوى مزيد من الهدر في الجهد والمال… و”ماء الوجه”.
أما منصب الأمين العام فسيبقى مجرد صراع على “كرسي في سفينة غارقة”.
الخلاصة: دفن الميت أم محاولة إنعاشه؟
وبين المطالبة المشروعة بتدوير المنصب، وواقع الجامعة ككيان شبه ميّت، يبقى السؤال:
هل يستحق كل هذا الجدل؟
أعود لما كتبته سابقًا في مقال نُشر في زاويتي (نافذة) بصحيفة المدينة، بتاريخ 7 أغسطس 2016، بعنوان (كفااااية!!)، حيث قلت:
أنصح بدفن هذا الكيان – الجامعة العربية – وهي نصيحة قد تكون الأكثر واقعية، إلا إذا:
  • أُعيدت هيكلتها جذريًا
  • مُنحت صلاحيات تنفيذية ملزمة
  • وُضعت آلية فعالة لتنفيذ قراراتها
  • وتم إشراك الشعوب في صناعة القرار
ومع تقلّص أهمية الجامعة، وتناقص حضور الزعماء العرب للقمم، فلا جدوى منها.
كما قلت في مقالي: لكي تعقد “قمة”، لا بد أن تكون هناك “دول” ممثلة برؤساء، أما الواقع اليوم فيُظهر أن:
  • هناك دول بلا رؤساء
  • ورؤساء بلا دول
  • ودول بلا شعوب، حيث ثلاثة أرباع الشعب لاجئون
  • ودول بلا دولة، تحكمها ميليشيات من جهات متفرقة
  • ودول بها شعوب… لكنها بلا عقل، كل فئة تسب وتكفّر الأخرى، وتشّكك في ولائها
حتى لو اجتمع العرب جميعًا، فستظل اجتماعاتهم شكلية، لا تثمر شيئًا، ولا تخلّف إلا خطبًا رنّانة، ووثائق تُركن في أدراج الجامعة التي فقدت معناها وجدواها.
#نافذة
رُبَّ قممٍ قالت لأصحابها: كفااااية!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى