صديقي فلان حاولت كثيرًا أسمّي شخصيته ولكن تفلتت الكنايات من تفكيري فأختصرت القول وأسميته “الكشكول”. فهو من كل بحر قطرة (أو مرهم) سمه كما تشاء فهو إن أردته شعبي فهو كذلك وإن تقمص دور الأديب بعض الأحيان فهو يجيد ذلك مع مساحة خطأ لا حدود لها وعندما أقول له ذلك يرد بنغمة عتب يعني ما تجي شطارتك إلا علينا علينا. فأقول طالبك يا سيدي السماح. تفضل ماذا لديك. يقول عندي كلام ما حبيت أخفيه في صدري. رديت كل سر بين اثنين شاع. قال ياليت أقدر وأنا أرضيك لكن ماهو سر ولا هم يحزنون. ولكن فلسفة علي قد حالي قلت تفضل يا أفلاطون قال مقبولة طقطقتك.. وواصل:
تولد لا تعرف ماذا سيكون في اللحظة الموالية هكذا أنت طفل رضيع ورقم جميل أو بئيس لا تعرف وحتى لو كانت حاسة إدراكك حاضرة.
تكبر.. حياة عابرة مبهمة. أين أنت على خارطة طريقها في صميمها أو على هامشها. الشوارع.. الحارات.. المدن.. القارات لا زلت لا تعرف. محيط صغير تعيش فيه ثم يتسع.. رحم.. حضن.. مهد.. منزل.. حارة ثم مدرسة وهكذا مدينة ووطن وعالم. وأنت لا تزال رقمًا لم يتضح لا عدده ولا قيمته ولا اتجاهه.
تدرس تتخرج تتوظف ثم تتزوج بنت الحلال وهي تشاركك الأمنية بأن تتزوج ابن الحلال. وتسير الحياة وترزقون بالأطفال. وهنا تبدأ انتقال المسيرة من الأنا إلى هم. تصبح الحياة كلها مكرسة لهم فهم الحبايب والقرايب.
وتدندن أنت وست الحبايب: الحب كله.. حبيته فيك الحب كله.. وزماني كله.. أنا عشته ليك زماني كله.
فهم نبض الحياة ونعيمها وقلقها وسكينتها وآمالها وضوها قبل الظهور على مسرح الحياة وعند طلتهم الأولى على مساحة حياتك ومن ثم هم المسؤولية الأكبر بعد ما نراهم أمامنا بجمالهم بحيويتهم التي تملأ الكون وهمومهم. والهم هنا ليس لذاتهم ولكن لما تعنيه بالنسبة لك سعادتهم واحتياجاتهم التي لا تنتهي في ذهنك وحتى لو انتهت مطالبهم واحتياجاتهم على الموجود فهو خير والقناعة كنز لا يفنى.
ولكن كيف لقلب أب شغله الشاغل راحتهم وكفايتهم وسعادتهم أن يكتفي. كل ما فتح عينيه على صباح ربما هو ليس مختلفًا عن غيره.. يا رب أحفظ أبنائي وقدرني على سعادتهم.
ينهض.. يسمي ويفتح الجوال لعل هناك الجديد لعل هناك خبر سعيد يبشر به الأبناء. يا أولاد أبشركم اليوم تمت صفقة حلوة تسر الناظرين. ولكن العشم ليس دائمًا حاضرًا فالحياة ليست أماني وفرص تتعارك لتسعدك.
تنهض وتبدأ حصة اليوم: كيفكم يا شباب أخباركم؟ يردون: نحن بخير طالما أنت بخير. تعلم أن هذه مشاعرهم الصادقة ولكن تعلم أيضًا أنهم يقولونها وفي دواخلهم أحلام عريضة تمنوا لو فسرتها الظروف والحظوظ فيعلنون الأفراح والليالي الملاح.
أنت تعلم وهم ربما يعلمون كيف تمضي الحياة في ركاب الأماني والأحلام. وأنت في ختام كل شهر: الحمد لله لقد مر هذا الشهر بخير ونعمة وذلك كأدنى تحقيق الممكن ولكن مر بسلام. والسؤال ماذا عن الشهر القادم.
شئنا أم أبينا وأن تفاوتت الأماني ولم تتوازن مع الإمكانيات والقدرات فستظل تشغلنا فإن تحقق منها شيء نظل نتطلع إلى الآخر.
هناك سيناريو يداعبني بين فينة وأخرى أنني أملك بلدانًا وغابات وأنهارًا وسعادة وعافية وأضعها في مغلف عنوانه “ياليت وأقدر أسعدكم” وأحمله على صفحة قلبي وأقدمه لأبنائي فيقولون: يا أبانا لم تأخذ منه شيئًا فأقول كيف لا فأنتم كل شيء.
الأبناء يحلمون ومن حقهم والأباء مسؤوليتهم ليس تفسير الأحلام فقط بل تحقيقها. وهنا مربط الفرس الذي قد ينؤ بحمله.
ويكمل صديقي فلان… في نهاية المشوار مع حديث النفس يدور سؤال يلح عليً في كل إطلالة شمس ورحيلها: هل أنا الأب الوحيد الذي تتجاذبني كل علامات التساؤل… هل أعطيت.. هل كفيت ووفيت؟ أم أنا كنت ولا أزال مجرد رقم في سجل هويات الملايين من الناس؟ سؤال لن نجد له جوابًا مقنعًا… لكن هي أقدارنا تمضي بنا كيف تشاء ما دامت الحياة.