المقالاتعام

الهلال لا يفوز فقط… بل يُعرّف ذاته على المسرح العالمي

حين التقى الهلال السعودي بمانشستر سيتي في بطولة كأس العالم للأندية، لم تكن المباراة مجرد اختبار بدني، بل كانت مشهدًا مكتمل الأركان، يتقاطع فيه التكتيك مع الرؤية، والانضباط مع الرسالة. لم يكن الحضور الفني للفريق السعودي مجرد مفاجأة في عرف المنافسة، بل ترجمة واعية لمشروع رياضي تتشكّل ملامحه منذ سنوات في المملكة، وتُعاد كتابته بلغة كروية تُفهم عالميًا.

الهلال في تلك الليلة لم يكن فريقًا يبحث عن نتيجة، بل كان كيانًا يُعرّف ذاته. لم يكن الهدف أن يُسجَّل هدف، بل أن يُقال: نحن هنا، بهدوء، باحترام، وبقدرة على التفوق ليس فقط على مستوى الأداء، بل على مستوى من نحن، وماذا نمثل.

فالهلال، بصفته أكثر من نادٍ، بدا وكأنه يُجسد في أدائه مركبًا سعوديًا أكبر، يتحرك وفق بوصلة رؤية طموحة، حيث لم تعد الرياضة مجرد نشاط ترفيهي، بل مسارًا موازيًا لصناعة الصورة الذهنية للوطن. فوز الهلال لم يكن في الدقيقة، ولا في مهارة فردية، بل في تراكُم شخصية نادي يُدرك أن تأثيره لا يبدأ من أرض الملعب، ولا ينتهي عند صافرة الحكم.

وبينما يلتفت الجميع إلى الأهداف والنتيجة، كان الأكثر إدهاشًا هو ما لم يُكتب في الإحصاءات: وعي الفريق بنفسه، روحه، توازنه، وشخصيته. هناك شيء في الهلال بدا مختلفًا، لا بوصفه خصمًا لمانشستر سيتي، بل بوصفه نادٍ بات ينتمي إلى نادي الكبار لا في السمعة فقط، بل في النضج الإداري والفني والتواصلي.

هذا النضج لم يكن وليد لحظة، بل نتيجة طبيعية لمشهد رياضي تقوده المملكة بعقلية جديدة، وبروح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظه الله – الذي أعاد تعريف الرياضة كمحور من محاور القوة الناعمة والتنمية الوطنية. ومن رحم هذه الرؤية، جاء حضور الهلال في البطولة، لا كطَموح، بل كامتداد لقرار. قرار أن تتحول الرياضة من ساحة للفرجة إلى منصة للتأثير، ومن استقطاب لاعبين إلى بناء علامات مؤسسية عابرة للحدود.

ولعل من أبرز ملامح هذا التحول، ما مثّله حضور المدرب الإيطالي سيموني إنزاغي، القادم بخبرة أوروبية صارمة، ومشروع تدريبي لا يبحث عن البطولات فقط، بل عن بناء ثقافة فوز مستدامة. إنزاغي ليس مدربًا عابرًا، بل وجه من وجوه الرؤية السعودية في استقطاب العقول لا الأسماء، في ترسيخ الانضباط لا في استهلاك الشهرة. وإن وجوده ضمن منظومة الهلال، وتحت إشراف معالي وزير الرياضة الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل، يعكس أن كل ما يحدث داخل الأندية الكبرى اليوم، يجري ضمن تصور متكامل، يقوده وعي سياسي وفني يعرف ماذا يعني أن تصنع من الرياضة مسارًا سياديًا ناعمًا.

الهلال في تلك المواجهة لم يحتفل بصخب، ولم يتحدث كثيرًا، بل اكتفى بأن يكون حاضرًا كما يُفترض أن يكون الحاضرون في المشاهد الكبرى: بثقة، باتزان، وبلغة لا تحتاج إلى ترجمة. وعبر هذا الحضور، كتب الهلال ما يشبه بيانًا رياضيًا صامتًا، فحواه أن الأندية السعودية لم تعد تحاول تقليد النموذج الأوروبي، بل باتت تنتج نموذجها الخاص، وتتقن تقديمه.

وفي ختام هذا المشهد، لا يعود الهلال مجرد نادٍ منتصر في مباراة عالمية، بل يصبح ترجمة حقيقية لرؤية وطن، وشاهدًا رياضيًا على عصر جديد، تُروى فيه قصص التفوق بلغة سعودية خالصة، ويُقال فيه بصوتٍ واحد: هنا الهلال… والمجد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى