في السابع عشر من سبتمبر عام 1917م، وُلِد القارئ الشيخ محمود السيد خليل الحصري في قرية شبرا النملة بمدينة طنطا، عاصمة محافظة الغربية المصرية، وبدأ رحلته مع قراءة القرآن في سنٍّ مبكرة؛ حيث حفظ القرآن وهو في العاشرة من عمره، وانتسب إلى الحلقات العلمية بمسجد طنطا، فتعلّم التجويد وعلم القراءات، ونال شهادات في علوم القرآن، فبرز نجمه واشتهر، وزكّاه المشايخ والحفّاظ.
مكنته موهبته الصوتية وتفننه في حسن أداء القراءة من أن يكون أحد ضيوف إذاعة القرآن الكريم في مصر عام 1944م، فعرفه الناس عبر الأثير، وذاع صيته وأثره بين المستمعين في مصر والبلاد العربية.
قام الشيخ الحصري بتسجيل أول مصحف بصوته برواية حفص عن عاصم سنة 1961م، وسجّل آخر بعد ذلك برواية ورش عن نافع، وتوالت بعدها سلسلة تسجيلاته القرآنية.
أدى ذلك العمل إلى انتشار القرآن الكريم بصوت الشيخ الحصري في جميع أنحاء العالم، وأصبحت المصاحف المسجّلة متداولة بين المسلمين، لدرجة أنه قال: “لقد زرت جميع قارات العالم، وكلما جئت بلدًا وجدت صوتي قد سبقني إلى ذلك المكان”.
في عام 1954م، اختارته المملكة العربية السعودية لافتتاح الحفل الرسمي الذي أقيم بمناسبة إضاءة مدينة مكة المكرمة بالكهرباء، وكان ذلك بدعوة من الملك سعود بن عبد العزيز -رحمه الله-، ثم في عام 1960م، كان أول من قام بزيارة المسلمين في الهند والباكستان، وقراءة القرآن الكريم في المؤتمر الإسلامي الأول الذي أُقيم بالهند.
كان الشيخ الحصري عذب الصوت، معتدلًا في القراءة، وبإمكانه ترتيل جميع المقامات. فلم يكن الحصري قارئًا للقرآن فقط، بل كان ماهرًا في علومه وتفسيره كما يفسره العلماء بأقلامهم، والكلام للأستاذ الدكتور طه أبو كريشة، الأستاذ بكلية اللغة العربية بجامعة الأزهر.
في عام 1977م، كان أول من رتّل القرآن الكريم في الأمم المتحدة أثناء زيارته لها، بناءً على طلب من جميع الوفود العربية والإسلامية، والتقى هناك بالرئيس الأمريكي جيمي كارتر، وقام بإهدائه نسخة من المصحف المسموع.
وفي عام 1978م، كان أول من رتّل القرآن الكريم في قاعة الملوك بمدينة لندن، عاصمة المملكة المتحدة، وأذّن لصلاة الظهر في الكونغرس الأمريكي أثناء زيارة وفد مشيخة الأزهر لأمريكا.
ترك الشيخ الحصري أعمالًا خيرية كبيرة، كالمعهد الأزهري والجامع الكبير في مسقط رأسه شبرا النملة بطنطا، وهو أول من نادى بإنشاء نقابة لقراء القرآن الكريم في مصر، وأنشأ مقرات لتحفيظ القرآن في المدن والقرى المصرية.
تُوفي الشيخ الحصري يوم الاثنين 24 من نوفمبر سنة 1980م، فور انتهائه من صلاة العشاء، بعد أن امتدت رحلته مع كتاب الله الكريم ما يقرب من خمسة وخمسين عامًا، أنار فيها الدروب وأخشع القلوب. رحمه الله رحمة واسعة.


