المقالات

الهوية بين الضحية والمجرم

تتسنم المملكة مقام الصدارة في توجيه أبنائها وبناتها نحو اكتساب المعارف واقتباسها كماً وكيفاً بما لم يسبق له مثيل في كل المجالات العلمية، إذ دُشّن الابتعاث منذ عهد الملك عبدالعزيز – رحمه الله – وتجاوز عدد الطلاب والطالبات عشرات الآلاف كل عام. ثم تلا ذلك توسع نوعي كبير عبر العهود المباركة المتتالية، وغدت مخرجات الابتعاث تزخر بالخبرات العلمية العالية.

ويشهد العهد السلماني المبارك قفزات هائلة في تقفّر العلوم والتنقيب في صفحاتها العلمية بدعم لا نظير له، بيد أن ذلك لا يخلو من بعض المنغصات، والتي تمثلت في اتخاذ بعض الطلاب السعوديين غرضاً يُرمى وهدفاً يُؤذى، وخاصة في بعض الدول الغربية مثل بريطانيا. مما يدعونا إلى قراءة متأنية لمن يقف وراء الأكمة ويدير خيوط الجريمة، ولا سيما في ظل تكرار جرائم الغدر ضد السعوديين والسعوديات، مما يلزم عدم استبعاد أي عنصر منطقي يقف وراء حوادث القتل المتعمدة. ويأتي في طليعتها قولبة الهوية ومدى ارتباطها بدوافع المجرم والاعتداء على الضحية.

وهذا يملي على الوزارات المعنية مثل التعليم، والسياحة، والخارجية، والأمن أن تُعنى جميعاً بدراسة فاحصة لما يُحاك ضد أبنائنا وبناتنا من تربص ومكائد لم تعد عفوية أو عارضة، مما أوقع البعض ضحايا القتل أو النصب أو إلصاق تهم الإرهاب بهم.

ومن أهم الإجراءات الاحترازية فيما يخص السائح السعودي أن يتحلى بما يذهل عنه الكثيرون، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: “الراكب شيطان، والراكبان شيطانان، والثلاثة ركب، وخير الركب أربعة”، والحديث صحيح رواه مالك وأحمد وأبو داود والترمذي. فإيثار أوهام الخصوصية على حساب التفريط في اتخاذ عناصر الحماية الشخصية يعد انتحاراً معنوياً ومادياً لا تُحمد عقباه بكل المعايير. وفي حال وصول السائح إلى بلدٍ ما، فهو مدعو إلى الاتصال بالسفارة السعودية التي ترشده وتمده بالمعلومات الضرورية لهذا البلد أو ذاك.

أما الطالب السعودي والطالبة السعودية، فعليهما أن يدركا أن في الغرب تياراً صهيونياً صليبياً تغذيه ثقافة متعصبة، وتقف وراءه منظمات وأحزاب سياسية متطرفة تعددت جرائمها في أكثر من بلد أوروبي، وتزداد نمواً وتوسعاً بوصول المتطرفين إلى الحكم. ومن ثم فإن اتخاذ الحيطة والحذر ضروري لأبنائنا وبناتنا الذين تحبسهم ضرورات الدراسة سنين عجاف. ومن ذلك: عدم الخوض في الأماكن المحذورة والموبوءة، أو التسكع في الشوارع الخلفية والجولان في طرقاتها فرادى، وخاصة خلال ساعات الليل.

وثمة إجراءات احترازية قبل السفر، مثل المعرفة الدقيقة بكل صغيرة وكبيرة عن البلد المراد ارتياده، والمرور بدورات في الدفاع عن النفس، ولا مانع من الحصول على رخصة حمل السلاح الشخصي وفق الضوابط والأنظمة المرعية في هذا الصدد.

ومن أهم عناصر الحماية الحيوية التي لا ينبغي أن تغيب عن البال أن السلوك الشخصي المستقيم عامل قوي في صرف الطالب المسلم في الخارج عن التورط في براثن مواقع الجرائم ومخالطة المجرمين في البيئات الموبوءة مثل البارات والنوادي الليلية. والأهم في ذلك كله أن يحافظ الطالب والطالبة على الأذكار الصباحية والمسائية، وعند الدخول إلى البيت والخروج منه. فإذا حرسك الله عز وجل فأنت الفئة التي لا تُغلب، والحارس الذي لا ينام، والقوة التي لا تُطال.

أ.د. غازي غزاي العارضي

استاذ الدعوة والثقافة بجامعة الاسلامية وجامعة طيبة سابقا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى