المقالات

كم نحن بحاجة إلى “مشبك ورق سعودي”!

بعد هزيمة ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية، هاجر العديد من العلماء الألمان البارزين إلى الغرب، ولا سيما إلى الولايات المتحدة الأمريكية، في إطار ما سُمّي آنذاك بعملية “مشبك الورق” عام 1945م، والتي هدفت إلى القبض على العلماء الألمان ونقلهم إلى الأراضي الأمريكية للاستفادة من أبحاثهم وخبراتهم في مختلف المجالات العلمية كالكيمياء، والطب، والفيزياء النووية، وتسخير تلك العقول لتطوير الترسانة الصاروخية والبيولوجية الأمريكية.

في عملية سرية أُطلق عليها بدايةً اسم “العملية الملبّدة بالغيوم”، ثم تغيّر لاحقًا إلى “مشبك الورق”، تم نقل نحو (1600) عالمٍ ألماني مع عائلاتهم بعد نهاية الحرب واستسلام ألمانيا إلى الولايات المتحدة، للعمل في المعامل والمختبرات الأمريكية خلال فترة ما عُرف بـ الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي.

كان من أبرز هؤلاء العلماء “فون براون”، المدير الفني لمركز أبحاث الجيش الألماني، والذي نُقل إلى مختبرات فورت بليس في ولاية تكساس، ووايت ساندرز بروفينج في ولاية نيو مكسيكو، ليعمل لاحقًا مديرًا لمركز مارشال لرحلات الفضاء التابع لوكالة “ناسا”، والمصمم الرئيسي لمركبة الإطلاق (Saturn V) التي دفعت نحو عشرين رائد فضاء أمريكيًا إلى القمر.

كما ساهم العالم دورن بيرغر في تطوير أول صاروخ نووي أرض-جو في العالم، وأسهم في تصميم أول مكوك فضائي أمريكي، بينما قدّم العالم راينهارد معلومات استخباراتية قيّمة عن الاتحاد السوفيتي، وطوّر الكيميائي الألماني أرتو أم بروس أسلحة كيميائية للجيش الأمريكي.
ومن العلماء الذين كان لهم أثر كبير أيضًا ثيودور بنزنجر وسيغفريد وغيرهما ممن ساهموا في نهضة أمريكا العلمية والعسكرية.

وفي المقابل، لم يتأخر الاتحاد السوفيتي في تبنّي فكرة مماثلة؛ إذ قام باختطاف أكثر من 6 آلاف عالم ألماني مع أسرهم من المناطق التي احتلّها، لتسخيرهم في إعادة بناء الاتحاد السوفيتي وتطوير قدراته العلمية والصناعية.

واليوم، كم نحن بحاجة إلى “مشبك ورق سعودي” يستقطب العقول والخبرات العالمية ويحتضن العلماء الأجانب، خاصة في ظل رؤية ولي العهد –يحفظه الله– التي تقوم على تفعيل العقول بدلاً من الحقول.

فبلادنا –ولله الحمد– يؤمّها المئات من العلماء العرب والمسلمين وغيرهم من مختلف أنحاء العالم، محبّين لأرض الحرمين الشريفين، يأتون للمشاركة في جوائز الملك فيصل العالمية، أو لحضور المؤتمرات العلمية، أو لأداء مناسك الحج والعمرة والزيارة.
فهل نرى قريبًا مبادرة سعودية نوعية تستثمر هذا الزخم العلمي وتحوّله إلى طاقة معرفية وطنية؟

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى