الثقافيةحوارات خاصة

الدكتور بكري عساس في حوار لـ”مكة”: الحياة لا تتوقف مهما تقدم العمر.. والمناصب لا تدوم لأي شخص

– التعليم حجر الأساس ولا تقدم أو ازدهار بدونه

– التكنولوجيا غيرت سلوك البشر.. والاجتهاد والإبداع الفكري 

– المواقع أصبحت مرتعا لكل من هب ودب.. والنصح والتوجيه مهمة الآباء لصون الأبناء

(مكة) – حوار- عبدالرحمن الأحمدي
على مدار الشهر الكريم تحرص صحيفة “مكة” الالكترونية على الالتقاء ببعض الشخصيات المعروفة والمميزة لدى الجمهور، للاستفادة من خبراتهم، وطمأنة الجمهور على أحوالهم في الفترة الحالية، واليوم موعدنا مع الدكتور بكري معتوق عساس، مدير جامعة أم القرى الأسبق، حيث دار الحوار التالي:

لمن يسأل عنكم ضيفنا الكريم أين تتواجدون في رحاب هذه الدنيا؟ وكيف تقضون أوقاتكم؟
-أشرف أن أكون أحد أبناء مكة المكرمة وأنا متواجد الآن ولله الحمد بها بعد انتهاء خدمة جامعة أم القرى، وحالياً أعمل أستاذ زائر في إلقاء المحاضرات في مجال الموهبة، والاقتصاد المعرفي، والذكاء الاصطناعي والموارد الذاتية، مع حضور المؤتمرات في كثير من الجامعات السعودية والأجنبية، إضافة إلى تواجدي في مركازي أمام منزلي ويجلس معي أصدقائي الأوفياء ومعارفي.

ما الذي يشغل اهتمامكم في الوقت الحاضر؟
-الآن أمضي وقتي في القراءة والاطلاع والكتابة والتأليف، والعمل في شركة العائلة كرئيس لمجلس الإدارة، وكما أسلفت في إلقاء المحاضرات في الجامعات وحضور المؤتمرات وعضوية الكثير من الجمعيات والمراكز، وقد لا تصدق كنت أجد وقت أثناء العمل في الجامعة والآن لا أجد وقتاً أبدا من تعدد مشاعلي، ودعني أسهب قليلاً في حديثي لكي أقول لك عجلة الحياة لا تتوقف ودائماً تسير؛ لأنه لا يوجد شيء في الدنيا اسمه ٦٠ أو ٧٠ عاماً، فالحكمة تقول: (البقاء للعطاء)، والشخص طالما عنده القدرة على العطاء يستمر، فلا بدّ أن تساهم وتدعم بأفكارك ومجهوداتك في الارتقاء بالوطن عبر تجاربك وخبراتك، وصراحة أنا من وجهة نظري أن التجارب والخبرات التي مرت على الشخص هي ليست ملكاً له فلا بد للمجتمع أن يستفيد منها، لأنها عبارة عن دروس يستفاد منها بالمجان.

الحكمة خير من الله يؤتها من يشاء.. كيف تعرفون الحكمة من وجهة نظركم؟
-انظر القرآن الكريم ماذا يقول: (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً) أنا دائماً معجب ببيت شعر لعنتر بن شداد يقول فيه: (لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب… ولا ينال العلى من طبعه الغضب) فالحكمة هي احتواء الناس، وحسن التعامل معهم، وعدم إساءة الظن بهم، فعلى سبيل المثال موقف له جانبين إيجابي وسلبي، مباشرةً خذ الإيجابي منه ولا تأخذ السلبي، أيضاً مبدأ التغافل فقد ورد في الأثر أن التغافل يمثل تسعة أعشار مكارم الأخلاق.

ما بين حكمة الشيوخ وهمة الشباب أيهما أقرب برأيكم.. وهل بينهما ثمة اتفاق أم فجوة اختلاف؟
-أنا أرى الخلط بين الاثنين.. عندما تكون الحكمة مع الهمة سوف يكون بطبيعة الحال الإنتاج رائع والنتيجة مبدعة، فالحكمة بالتأكيد تعطي الإنسان بعد نظر، وتعطيه حسن التصرف، فوجود الرجل الحكيم مع الشاب الهمام تعطيه التأني والعقلانية والرؤية الجيدة.

هل الإنسان في هذا العالم ضل طريق الحكمة؟
-تسمع بالمثل القائل (لكل زمان دولة ورجال)، نحن نعيش الآن عصر التكنولوجيا، الآن الدنيا تغيرت عما كانت قبل خمس سنوات، لاحظ كيف دخلت التكنولوجيا في البشر تغيرت سلوكهم وطريقتهم وخدماتهم، أنت الآن جوالك بضغطة زر تنهي حاجات كثيرة كنت في السابق تمر على كذا إدارة لإنهائها، الآن تنجزها وأنت مستلقي على السرير في منزلك بكل سرعة ومرونة، تدفع رسوم وتذاكر ومشاركات وبيع وشراء وسحب وإيداع في البنوك، ومع كل هذه التطورات يظل الإنسان يحتاج الحكمة في كل وقت وكل زمان، ولكن أقول الأساليب فقط تختلف؛ نظراً لاختلاف الأزمنة والأوقات، وكما قلت لك الناس أصبحت تفقد وظائفها بسبب التقنية، ومؤخرا قرأت تقرير في صحيفة إيطالية مفاده (أن من مجمل الوظائف في الكرة الأرضية نسبة العنصر البشري العامل فيها 88 في المئة والباقي تقوم به التقنية)، وأيضاً دراسة في مركز ديلويت البريطاني للتكنولوجيا أصدر حديثاً تقريراً قال فيه: (السنوات القادمة ٥٠ في المائة من الوظائف ستكون من نصيب الذكاء الاصطناعي)، ومن حسن الحظ أن التقنية خلقت وظائف جديدة تحتاج إلى بشر من الموهوبين.

في حياتنا مراحل إنسانية مختلفة.. من الضعف إلى القوة وهكذا.. ماذا تتذكرون من وقائع في ثنايا المراحل؟
-حقيقة فقد والدي _يرحمه الله _ كسر ظهري؛ لأنه داعمي الأول في الدراسة وفي مشاريعي وفي حياتي بصفة عامة، فمثلاً وأنا في بداية مرحلتي الجامعية وكانت بداية الطفرة كان لدي فكرة مشروع تجاري يتمثل في بيع وشراء أراض في مخطط الكعكي _آنذاك _ وأحتاج لمبلغ ٦٠٠ ألف ريال فطلبتها من والدي وأعطاني المبلغ وقال لي توكل على الله وحققت أرباحاً ولله الحمد والمنة، ولذلك وفاة الوالد أثرت في حياتي كثيرا؛ لأني تحملت مسؤولية كبيرة فأخواني كانوا صغاراً والحمد لله وقمت بتحمل المسؤولية وتجاوز الصعاب بفضل الله ثم دعاء الوالدة _حفظها الله _، وأصبحت الأمور متيسرة وسلسة برغم فقدي للوالد، ولا أنسى أيضاً حين كان يصحبني معه في مجالس أصدقائه فهي مدارس مفتوحة فقد تأثرت بها وساعدتني في الحياة لذلك اكتسبت خبرات كثيرة رغم صغر سني ولا أقول من باب العجب فقد مررت بتجارب كبيرة يفترض أن أكون وقتها أكبر من عمري حتى أعرف هذه الأشياء، ولكن ذهابي مع والدي هنا وهناك، وفي مجال البيع والشراء تعلمت الكثير في جانب التعامل مع الناس، وحب أخواني وجيراني وأقاربي وهذه القيم تعلمتها من والدي ووالدتي.

– ما بين الربح والخسارة كيف تصفون أصعب المشاعر وأجملها؟
-قد أكون محظوظاً بتوفيق الله تعالى ثم بدعاء الوالدة، فلا أتذكر دخلت مشروعاً وفشلت فيه وهذا من فضل الله سبحانه، فقد كنت حريصاً جداً أن أضع الأمور في نصابها، وألا أتسرع، وحتى عندما درست في الخارج فأتذكر الوالد وأنا كنت يده اليمنى، فطلبت موافقته على رغبتي بالدراسة في بريطانيا، قال: (توكل على الله وخليك راجل، ولا تعمل شيئاً هناك تخجل أن تعمله هنا)، وعلى الرغم من كوني الأول على دفعتي فحين تخرجت من جامعة أم القرى تقدمت للإعادة فيها ولم أقبل، وقبلت معيداً بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، ومن الطريف أني عدت مديراً للجامعة التي لم تقبلني معيداً فيها.

الحزن سمة إنسانية ثابتة.. هل احتجتم لها يوماً ما.. وما هي أقسى لحظات الحزن التي مرت بكم؟
-بكل تأكيد بني أدم كتلة من المشاعر والأحاسيس، لا يوجد إنسان لا يحزن، والحياة ليست جنة إنما هي دار عناء كما جاء في الأثر، وهنا يحضرني بيت شعر لأبي العلاء المعري يوضح هذه الأشياء يقول: ( كل من تلقاه يشكو همه: ليت شعري هذه الدنيا لمن؟!)، ويقال أن جارية في العراق ردت عليه بالقول: (إنها لمن طلقها: واكتفى منها بعيش وكفن)، وهناك قول شائع بين الناس: (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا: واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)، فيجب على الشخص أن يوازن بين الدنيا والآخرة.

التوفيق والسداد هبة من الله تعالى.. ما هي أكثر المواقف التي مرت بكم توفيقاً وسدادا؟
-في فترة إدارتي لجامعة أم القرى والتي استمرت ولله الحمد أكثر من ثمان سنوات من التكليف والتعيين، كنت في هذه الفترة يومياً وقبل أن أذهب للجامعة أذهب بانتظام للوالدة للسلام عليها، لدرجة أن سائقي كان يقول لي السيارة أصبحت تعرف طريق بيت والدتي، وأيضاً وقت عودتي أمرها وأكسب دعاءها، ومن أجل ذلك أنا أقول لا يوجد يوماً حصلت لي مشاكل في العمل وإن حصلت فهي مشاكل عادية وهذا لطبيعة العمل، فيأتي حلها من الله سبحانه، ولذلك كان نجاحي بتوفيق من الله دائماً، وقبل ما أتحدث عن صور التوفيق والنجاحات في الجامعة أذكر أنني كنت أقل الناس عطاء في العمل بالنسبة للمجموعة التي عملت معي، فالنجاحات تحققت بتوفيق الله تعالى أولاً ثم بما قدمه هؤلاء الأبطال الأوفياء لدينهم وملكهم وأمتهم من وكلاء الجامعة، وعمداء الكليات، ورؤساء الأقسام، حتى الإداريين والمستخدمين، فريق متكامل وفقني الله في اختيار هؤلاء الرجال الأوفياء وكان دوري يقتصر على التوجيه والنصح والإرشاد مع إعطاء الصلاحيات لهم، وهم قاموا بهذا المجهود الجبار بكل أمانة وصدق، فلهم مني الدعاء على مساعدتي في إدارة جامعة عريقة لها شرف المكان والجوار والرسالة؛ لأن الفضل لهم بعد الله في كل ما تحقق، ومن المؤكد أن أي قائد لا يستطيع العمل بمفرده وقد قلت كل ذلك في كتابي عن تجربتي في إدارة الجامعة، وهنا قصة لملك فرنسا أرسل رسالة للخليفة هارون الرشيد يقول فيها (يا خليفة المسلمين فرنسا بلد صغيرة وأعاني منها الكثير وأنت في بلد مترامية الأطراف ولا تعاني فلديك العلماء والإنتاج والازدهار والهدوء والسكينة، فرد عليه الخليفة هارون إني أحسن اختيار الرجال).

بماذا نربط الحياة السعيدة من وجهة نظركم الشخصية؟
-بصراحة أربط الحياة السعيدة بالرضا والقناعة، إذا كان الإنسان راض ولديه قناعة حتماً ستكون حياته سعيدة.

هل نستطيع أن نعتبر السعادة أسلوب حياة؟
-حتى يكون الإنسان سعيداً ليس بالضرورة أن يمتلك مالاً وفيراً، وجاهاً ولديه منصبا، فقد ترى إنسان فقير ويكون سعيداً في حياته، فالسعادة ليست بالمال وإلا اشتروها الأغنياء.

متى يصل الإنسان إلى محطات النجاح؟
حتى تكون ناجحاً هناك أشياء كثيرة يجب توفرها، فلا بدّ أن يكون الإنسان مخلصاً في عمله وجاداً وصاحب أفكار من خارج الصندوق أو كما يقال أفكارا غير اعتيادية، أي من الأشخاص المبدعين والمبتكرين والذين عرفوا من البشر منذ بداية النهضة حتى الآن نلاحظ أن أفكارهم إبداعية مبتكرة غير أفكار الناس العاديين لأنهم جدوا واجتهدوا، وبالمناسبة أرى مقولة (العلم في الرأس لا في الكراس) عبارة خاطئة، لأن بني أدم لم يولد عالماً، العلم في الكراس أولا ومن ثم يأتي في الرأس، فالعقل يأتي في البدء خاويا وعندما يولد الإنسان يتلقى العلم خطوة خطوة.

ومتى تتوقف تطلعاتنا في الحياة؟
-ما دام الإنسان قلبه ينبض فالحياة تسير ولا تتوقف، هناك علماء وبنسبة كبيرة في العالم من الذين حصلوا على جائزة نوبل للسلام وغيرها فازوا بها وهم في سن متأخرة من العمر، وهذا يدل على أن الحياة لا تتوقف، وقد أظهرت الدراسات أن متوسط عمر رؤساء أكبر الشركات على مستوى العالم في سن ٦٧ فما فوق، ومتوسط عمر المصلحين في العالم ٧٠ عاما، ومتوسط أفضل التربويين والأكاديميين في العالم هو ٦5 عاما وهكذا.

في الأغلب ننصف الإنسان بعد رحيله من دنيانا.. متى ينصف المبدع قبل أن يرحل؟
-هذا واقع وللأسف الشديد الوفاء والإنصاف من أبرز كنوز الأخلاق الإسلامية، ومن صفات النفوس الحرة الأبية، ومن لوازم القلوب الصافية النقية، وهو حفظ للعهد والوعد، واعتراف بالجميل، وشكر للمعروف، ونحن نعيش في بلد مبارك بلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية، قيادته ولله الحمد والمنة تكرم رجالها أحياء وأمواتا والأمثلة على ذلك كثيرة.

في الاستشارة.. من يستشير ضيفنا الكريم في مواقفه الحياتية المختلفة؟ ولماذا؟ وماهي أهم استشارة مضت؟
-عند حاجة الشخص للاستشارة يجب عليه أن يستشير الرجل الحكيم ولا بدّ أن يكون محبا وصادقا له بالطبع، في حياتي العامة كنت استشير والدي قبل وفاته، وفي الحياة العملية كنت أستشير معالي وزير التعليم العالي د.خالد العنقري، فهو رجل حكيم وعاقل وصاحب خبرة عريضة وقاد التعليم العالي لربع قرن من الزمان فكانت لديه خبرات متراكمة، وأغلب المشاكل التي واجهتني كانت في بداية إدارتي للجامعة، وأتذكر تحديداً في بداية إداراتي أني ذهبت له وهموم وغموم الجامعة فوق رأسي، فمثلاً لو مدرس لم يقم بواجبه، أوهناك طالبة حدثت لها مشكلة، وغيره مباشرةً يشتمونني ويتهمونني بالتقصير وهكذا..!! وأي شيء يحدث في الجامعة ينهالوا علي في الصحف والمواقع الإلكترونية، فقلت له يوماً: معالي الدكتور خالد ما هذا الدق كله على رأسي وأنا لم أعمل شيء خطأ، فقال لي كلمة واحدة معبرة: (ما دمت في الرأس فتحمل وجع الرأس)، عندها توقفت عن التذمر وعرفت أنها من متاعب المنصب فالناس لا تعرف غير من هو على رأس الهرم.

متى غض النظر ضيفنا في المواقف المصاحبة له؟ وهل تذكرون بعض هذه المواقف؟
-نعم، كانت هناك حالات كثيرة من هذه المواقف في الجامعة فبعض المدرسين يكتبون ويشتمون ويتحدثون عني بين منسوبي الجامعة وفي المواقع بكلام لا يليق، ولكن كنت أتغاضى عن ذلك رغم أنه كان بإمكاني أن أجري تحقيقاً للمسيء وأحيله لمجلس الجامعة وهذا من صلاحياتي الممنوحة نظاماً، ولكن كنت أفضل مبدأ التغافل “لا يحمل الحقد من تعلو به الرتب، ولا ينال العلا من طبعه الغضب”، والأجمل من هذا أن كل من أساء لي بعد انتهاء فترتي جاءني معتذراً عما بدر منه لدرجة أن أحدهم قال لي: (ليت الأيام تعود بي مرة أخرى وأغير كل كلامي) وأنا قلت له: والله إني مسامحك.

هل ندمتم على سكوتكم يوماً؟ ومتى ندمتم على بعض كلامكم؟
-أنا لدي بيت شعر جميل يقول:(ما قد ندمت على السكوت مرة.. ولقد ندمت على الكلام مرارا)، والحمد لله أني أزن كلامي وتصرفاتي ولكن قد يفسر من البعض أني اقصد كذا وكذا وكأنهم يدخلون في نيتي وقلبي للأسف، باختصار يأخذون الجانب غير الحسن ولا يأخذون الجانب الحسن.

في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة أحاديثنا تختلف عن واقعنا.. إلى أي مدى ترى صحة هذه الجملة؟
-كل الذي أستخدمه في تواصلي مع الزملاء هو الهاتف النقال الشخصي والواتساب والبريد الإلكتروني، وعموماً كلامي ثابت في كل وسيلة أتعامل بها وبلا مثالية وعلى وضوح تام، ولكل قوم لغة وبطبعي أحب أن أترفع عن التفاهات والسخافات؛ لأن المواقع أصبحت مرتع لكل من هب ودب.

في حياتنا اليومية هل افتقدنا الإنسان القدوة؟
-والدي _يرحمه الله _ قدوتي فقد كان مربي فاضل وحكيم بالرغم أنه لم يكن يملك أي شهادة سوى شهادة الحياة فقط، فقد شجعني على العلم وأرسلني إلى أماكن عديدة وبعيدة للدراسة وطلب العلم وأنا في مقتبل عمري وأعطاني مبالغ؛ لشراء الكتب والمجلات العلمية ولم يبخل علي في أي شيء، وعلى أي حال فالقدوة تختلف من شخص لآخر فإذا لدى إنسان ما قدوة فعند غيره قد يكون غير ذلك، فإنسان قدوته مدرس وآخر جده أو جاره أو عمه أو خاله وهكذا.

الأبناء في الوقت الحالي هل يحتاجون إلى الرأي والمشورة منا؟ وهل المسافات بعدت بيننا وبينهم؟
-نعم، فأبنائي دائماً يحتاجون إلى مشورتي ويسألونني عن بعض الأمور، وبالتأكيد المسافات باعدت بين الآباء والأبناء إلى حد ما في وقتنا الحالي ولكن يبقى هنا دور الأب يستدعي أبناءه ويقدم لهم النصح والتوجيه والمشورة وبحكم مشاغل الأبناء أنا من يتصل بهم ويتفقد أحوالهم، وشخصيا أغلب أصولي التجارية يديرها أبنائي الآن وأقوم بدور الناصح فقط.

الدنيا طويت على غرور.. متى وجدتم هذه العبارة ماثلة أمامكم؟
-سبحان الله كما تعلم (إن النفس لأمارة بالسوء) فكثير من الناس يعتقد أن الغنى شيء دائم، وراعي المنصب يعتقد أن منصبه دائم، ولا يعلمون أن هذه الأشياء من رب العزة والجلال يوزعها بين الناس، وهناك بيت شعر جميل في هذا الموضوع: (فإذا رزقت خليقة محمودة: فقد اصطفاك مقسم الأرزاق: فالناس هذا حظه مال وذا: علم وذاك مكارم الأخلاق)، وهذه هبات من الله تعالى فمثلاً رجل أعطاه الله صحة يتضجر؛ لأن الله لم يعطه مال، وآخر يعطيه مال ويأخذ منه الصحة، ومن يهبه علم ويفقده نعمة ما ولا يوجد شيئاً بلا مقابل والدنيا هكذا (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)، والدوام لله وحده، وهناك مثل كان الوالد رحمه الله يردده: (سألوا الدنيا أنت لمن؟ قالت: لناس بعد ناس).

من أنبل الناس في رأيكم؟
-والله سؤال صعب..! أنا كتبت مقال نشر في أكثر من صحيفة بعنوان: الأوفياء في الأرض، الوفاء صعب، لو كان الوفاء سهل كان كل الناس أوفياء، وهناك بيت مشهور لأحد الشعراء عن الوفاء يقول: (عش ألف عام للوفاء وقلما.. ساد إمرؤ إلا بحفظ وفائه)، ولهذا فالأوفياء من وجهة نظري هم أنبل الناس وأكثرهم أخلاقاً حميدة.

المحبطون هم أشد الناس تعاسة هل صادفتم هذه الفئة؟ وكيف تعاملتم معها؟
-كثير من الناس صادفتهم وحتى من بعض أقاربي وأبنائي وأصدقائي ساعات يصابون بالإحباط نتيجة موقف معين فأحاول أن أضرب لهم أمثلة وأن هذه الحالة مروا بها كثيراً من البشر ونجحوا وتغلبوا على العقبات التي واجهتهم، وهذه تجارب بمعنى أن النجاح لا يأتي إلا بعد الفشل، فلا بد أن تمر بمواقف صعبة لكن بالصبر والمثابرة وعدم اليأس تتغلب على المواقف الصعبة.

هل ندمتم يوماً في النقاش مع أصحاب الوعي والإدراك؟ وهل ندمتم في النقاش مع غيرهم؟ ولماذا؟
-هناك أشخاص يتمسكون بآرائهم حتى لو كانت خطأ وهنا تكمن المشكلة، فأنا أتصور أن هذه النوعية من البشر التي تتمسك بآرائها مهما كانت أفضل وسيلة تجنبهم، أما أصحاب الرأي غير الواعي في الحياة فلا بدّ أن ينزل الواحد لمستواهم ويخاطبهم بما يعقلون ويألفون، والخليفة علي بن أبي طالب رضى الله عنه له قول مشهور: (حدثوا الناس بما يعقلون).

كلمة أخيرة من معاليكم لقراء صحيفة مكة الإلكترونية؟
-كلمتي عن أهمية العلم والتعليم، ارتقت الدول بالعلم والتعليم، فالتعليم هو حجر الأساس ولا تقدم بدون تعليم جيد، ولا ازدهار بدون تعليم جيد، ولا اقتصاد بدون تعليم جيد، ولا صحة بدون تعليم جيد، ولا حياة بدون تعليم جيد، الإمام الشافعي قال: (من أراد الدنيا فعليه بالعلم، ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معن فعليه بالعلم)، والله فرق بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وأهم من ذلك المعلم إذا لم يقم بدوره الصحيح الملقى على عاتقه دمر أمة بحالها، فالنابغة يأتي من تحت يد المعلم، والمبدع، والمبتكر، والطبيب المميز، فلا بدّ أن يكون العلم مميزا في الأساس فلو لم يكن كذلك فسوف يعطيك طبيباً لا يستطع معالجة المرضى، ويعطيك مهندساً فاشلاً، ولن يعطيك اقتصادي يدير اقتصاد البلد بكفاءة، وعليه لا بدّ من تهيئة كل الظروف الحياتية والعلمية والمادية والمعنوية للمعلم حتى يقوم بدوره على أكمل وجه، وفي الختام أقدم شكري لصحيفة مكة الإلكترونية على هذا اللقاء وكل عام والجميع بخير.

الأحمدي يهدي معالي الدكتور بكري عساس كتاب يوم بدينا

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. معالي الدكتور بكري مثال للطيبة والحكمة والوفاء
    بارك الله له في عمره وعمله ووقته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى