لا جدال بأن العلاقات الاجتماعية تعتبر بالفعل من الأسس التي تقوم عليها المجتمعات، فهي تساعد على خلق الروابط والتفاعل بين الأفراد، وتعزز من التعاون والتفاهم بينهم. ولكن تظهر أحيانا نوعية من العلاقات التي لا تقوم على أسس صحية ، بل على مصالح شخصية ضيقة ، تنتهي فور انتهاء تلك المصالح. و قد تنتهي بطريقة غير سليمة تؤدي إلى عدم التصالح. فهذه الظاهرة، التي يمكن تسميتها “علاقات المصالح”، تعتبر بمثابة تهديد حقيقي للعلاقات الإنسانية العميقة التي تسهم في بناء مجتمع مترابط. فعلاقات المصالح أعزائي القراء الأفاضل من العلاقات التي يتعامل فيها الطرفان وفقاً لمكاسب شخصية محددة. هذه العلاقات تكون مؤقتة ، حيث تنتهي بمجرد تحقيق الهدف أو المصلحة التي بُنيت من أجلها. فبالرغم من أن العلاقات الاجتماعية بشكل عام تقوم على التفاهم والاحترام المتبادل، إلا أن علاقات المصالح تفتقر لهذه العناصر الأساسية ، حيث يكون أحد الأطراف في الغالب هو المستفيد الوحيد من العلاقة ، بينما يكون الطرف الآخر هو الضحية ، اقصد مجرد أداة للوصول إلى هذا الهدف.
طبعا هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى نشوء علاقات المصالح ، من ابرزها:
1. التغيرات الاقتصادية والاجتماعية: فالضغط الاقتصادي والتغيرات الاجتماعية تساهم ذفي تقوية هذه العلاقات. على سبيل المثال، يمكن أن تتشكل العلاقات بين الأفراد في بيئات العمل حيث يسعى البعض إلى الاستفادة من المناصب أو الموارد المتاحة على حساب الآخرين.
2. الأنانية والفردية: للأسف في عصرنا الحالي ، أصبحت الأنانية والفردية من السمات السائدة بين بعض الأفراد. حيث يبحث البعض عن مصلحتهم الخاصة حتى وإن كان ذلك على حساب الآخرين. فهذه الأنانية تساهم في بناء علاقات سطحية تقوم على الاستفادة الذاتية.
3. المصالح الشخصية الضيقة: يمكن أن يتسبب الطموح الشخصي المحدود في أن يبحث الأفراد عن علاقات اجتماعية تخدم أهدافهم الشخصية، سواء كان ذلك من خلال التقدير الاجتماعي أو الحصول على منفعة مهنية أو مالية.
طبعا علاقات المصالح لها تأثيرات على الأفراد والمجتمع ، تتمثل هذه التأثيرات على النحو التالي:
1. تدهور الثقة بين الأفراد: فعندما يكتشف الأفراد أنهم كانوا مجرد أداة لتحقيق مصلحة معينة ، يمكن أن تتأثر الثقة بين الأشخاص بشكل كبير. فقد تؤدي هذه العلاقات إلى مشاعر خيبة الأمل والغدر ، مما يضعف من تماسك المجتمع.
2. زيادة الشعور بالعزلة والانفصال الاجتماعي: ففي ظل العلاقات القائمة على المصلحة، يشعر الفرد بعدم الانتماء الحقيقي إلى المجتمع. هذه العلاقات لا توفر الدعم العاطفي أو النفسي، بل تترك الأفراد يشعرون بالعزلة.
3. تعزيز السلوكيات الاستغلالية: قد يؤدي الارتباط بالعلاقات التي تقوم على المصالح إلى تشجيع السلوك الاستغلالي. حيث يتحول الشخص إلى أداة لتحقيق أهداف الآخرين دون مراعاة لمشاعرهم أو حاجاتهم.
4. التأثير السلبي على الأجيال القادمة: هذه الظاهرة يمكن أن تؤثر سلباً على الأجيال القادمة، حيث قد يتعلم الأطفال والشباب من هذه الممارسات أن العلاقات الاجتماعية يجب أن تقوم على الاستفادة الشخصية، مما يعزز السلوكيات المصلحية في المستقبل.
وفقاً لدراسة نشرتها مجلة Social Networks في عام 2020 ، تبين أن 40% من الأفراد الذين شاركوا في البحث قد مروا بتجربة علاقات اجتماعية قائمة على المصالح الشخصية ، حيث أفادوا أنهم شعروا بأن العلاقة كانت “مؤقتة” أو “مبنية على الاستغلال”. كما أظهرت دراسة أخرى نشرتها جامعة هارفارد في عام 2022 ، أن 30% من العلاقات في بيئات العمل تتسم بالعلاقات المصلحية ، حيث يشعر الموظفون بأنهم يستغلون في أغلب الأحيان لتحقيق أهداف شخصية.
وللتصدي لظاهرة علاقات المصالح ، لابد من إتباع الخطوات التالية:
1. تعزيز ثقافة المصداقية والاحترام المتبادل: ينبغي أن تكون العلاقات الاجتماعية مبنية على أسس قوية من المصداقية والاحترام. وهذا يتطلب التزام الأفراد بالقيم الأخلاقية والإنسانية ، والابتعاد عن الاستغلال أو استخدام العلاقات لتحقيق مكاسب شخصية.
2. التوعية والتثقيف: يجب على المجتمعات والأنظمة التعليمية تعزيز الوعي حول مخاطر العلاقات المصلحية. من خلال برامج توعية وتثقيف حول بناء علاقات صحية وصادقة، يمكن أن يتم تصحيح السلوكيات المصلحية المنتشرة.
3. تحديد معايير للاختيار الاجتماعي: من الضروري وضع آليات انتقائية لاختيار من يتم تكوين العلاقات معهم. حيث ينبغي أن تكون هذه العلاقات مبنية على أسس من الثقة المتبادلة والاحترام ، مما يسهم في تعزيز الروابط الاجتماعية القوية.
4. دور المؤسسات الاجتماعية: يمكن للمؤسسات الاجتماعية والمدنية أن تلعب دوراً مهماً في مكافحة هذه الظاهرة من خلال إنشاء برامج لدعم العلاقات الصحية وتشجيع التعاون بدلاً من الاستغلال. ختاما ، اقول بأن “علاقات المصالح” تعد ظاهرة اجتماعية مزعجة تهدد التماسك الاجتماعي وتضعف الروابط الإنسانية بين الأفراد. هذه العلاقات التي تُبنى على المصالح الشخصية تنتهي غالباً بانتهاء تلك المصالح، تاركة وراءها آثاراً سلبية كفقدان الثقة والعزلة الاجتماعية. ولذا فإننا بحاجة إلى التوعية بأهمية بناء علاقات قائمة على المصداقية والاحترام المتبادل، واتخاذ إجراءات لحماية المجتمعات من هذا النوع من العلاقات الهشة التي لا تؤدي إلى تصالح حقيقي.
• أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود