المقدمة
نشأت مملكة سنغاي، كإحدى أعظم الإمبراطوريات في غرب إفريقيا، بداية القرن التاسع الميلادي، ثم تطورت إلى أن بلغت أوجها خلال القرن الخامس عشر الميلادي، وورثت مكانة مملكة مالي في السيطرة على التجارة العابرة للصحراء، معززةً قوتها الاقتصادية والعلمية. تميزت سنغاي بنظام إداري متطور، وجيش منظم، ومراكز علمية بارزة، مما جعلها مركزًا حضاريًا بارزًا في التاريخ الأفريقي.
أولًا: النشأة والتطور التاريخي
تعود أصول مملكة سنغاي إلى مدينة غاو (Gao) الواقعة على ضفاف نهر النيجر، حيث تأسست في القرن السابع الميلادي. أصبحت جاو مركزًا تجاريًا مهمًا بفضل موقعها الاستراتيجي، مما ساهم في نمو المملكة وتوسعها. في القرن الخامس عشر، بدأت سنغاي في التوسع على حساب مملكة مالي، مستفيدةً من ضعف الأخيرة .
ثانيًا: المؤسسون وأهم الملوك
1. سني علي بير (Sunni Ali Ber) (1464–1492)
يُعتبر سني علي بير المؤسس الحقيقي لمملكة سنغاي كقوة عظمى، حيث قاد حملات عسكرية ناجحة ضمت تمبكتو وجنيه إلى المملكة. تميز حكمه بالقوة العسكرية والتوسع الإقليمي، مما عزز من مكانة سنغاي في المنطقة.
2. أسكيا محمد (Askia Muhammad) (1493–1528)
بعد وفاة سني علي، تولى أسكيا محمد الأول الحكم، إثر انقلاب على خليفة سني علي. كان أسكيا محمد مسلمًا متدينًا، وقام بإصلاحات إدارية شاملة، منها تقسيم المملكة إلى ولايات وتعيين قضاة لتطبيق الشريعة الإسلامية. كما قام برحلة حج إلى مكة في عام 1497، مما عزز من مكانة سنغاي في العالم الإسلامي.
ثالثًا: الإنجازات الاقتصادية والعلمية
1. القوة الاقتصادية
اعتمدت سنغاي على التجارة العابرة للصحراء، حيث سيطرت على طرق التجارة التي تربط غرب إفريقيا بشمالها. كانت تجارة الذهب والملح والعبيد من أهم مصادر الدخل، مما جعل المملكة من أغنى الإمبراطوريات في تلك الفترة .
2. النهضة العلمية
أصبحت تمبكتو مركزًا علميًا بارزًا تحت حكم سنغاي، حيث ازدهرت جامعة سانكوري وجذبت العلماء من مختلف أنحاء العالم الإسلامي. تم تدوين العديد من المخطوطات في مجالات الفقه والعلوم واللغة، مما ساهم في إثراء التراث العلمي الإسلامي.
رابعًا: الحدود الجغرافية وأسباب القوة
امتدت مملكة سنغاي من نهر السنغال غربًا إلى نهر النيجر شرقًا، وشملت مناطق واسعة من مالي والسنغال والنيجر ونيجيريا الحالية. تعود أسباب قوتها إلى:
•الموقع الاستراتيجي: سيطرتها على طرق التجارة الرئيسية.
•الجيش المنظم: تأسيس جيش محترف ومدرب.
•الإدارة الفعالة: تطبيق نظام إداري مركزي وتعيين حكام محليين.
•الاستقرار السياسي: تطبيق الشريعة الإسلامية وتعزيز الوحدة الدينية.
خامسًا: آراء المؤرخين الأفارقة
تناول المؤرخون الأفارقة مملكة سنغاي بإعجاب، حيث وصفها أحمد بابا التمبكتي بأنها منارة للعلم والثقافة الإسلامية. كما أشار العالم والمصلح النيجيري عثمان دان فوديو إلى كفاءة النظام القضائي والإداري في سنغاي.
سادسًا: مملكة سنغاي في الذاكرة الأفريقية
تمثل مملكة سنغاي رمزًا للفخر الحضاري في الذاكرة الأفريقية، حيث تُعد مثالًا على الازدهار الاقتصادي والعلمي في إفريقيا ما قبل الاستعمار. لا تزال مدن مثل تمبكتو وجاو، تُعتبر مراكز ثقافية وتاريخية مهمة، وتحظى باهتمام الباحثين والمؤرخين.
سابعًا: الأثر الباقي
يستمر تأثير مملكة سنغاي في الثقافة الأفريقية من خلال:
•المخطوطات: المحفوظة في مكتبات تمبكتو وعلى رأسها مكتبة الفقيه والعالم الموسوعي أحمد بابَ التنبكتي، وتُعد هذه المكتبات مصدرًا هامًا للباحثين وتقدر هذه المخطوطات (650) ألف مخطوط.
•العمارة: مثل مسجد سانكوري وضريح أسكيا محمد في جاو.
•التراث الشفهي: الذي ينقل قصص الملوك والبطولات.
•الأوقاف الإسلامية الكثيرة والمتنوعة التي ساعدت على الازدهار العلمي، حيث كانت توفر للعلماء الظروف الملائمة للتفرغ بالإضافة إلى كفالة الطلاب، ما جعل التعليم مجانا فى كل مدراس وجامعات المملكة وفى تنبكتو خصوصا.
الخاتمة
مثلت مملكة سنغاي ذروة الحضارة الإسلامية في غرب إفريقيا، حيث جمعت بين القوة الاقتصادية والنهضة العلمية والإدارية. يُعد إرثها مصدر إلهام للأجيال الحالية، ويُبرز أهمية دراسة التاريخ الأفريقي من منظور أفريقي.
⸻
قائمة المراجع
1.“The Songhai Empire: West Africa’s Last Great Empire”, Vocal Media.
2.“3.2 The Songhai Empire”, OpenStax World History Volume 2.
3.“Songhai Empire”, Encyclopaedia Britannica.
4.“Askia Muhammad I”, Wikipedia.
5.“TOPIC 4: THE EMPIRE OF SONGHAI”, KAWA Uganda.
6.“Songhai Empire”, Wikipedia.
7.“How Africans wrote their own history”, African History Extra.
