في خضمّ الحياة ومسؤولياتها وتحدياتها المتسارعة، كثيرًا ما ينشغل الإنسان في خدمة الآخرين، أو السعي لإرضاء من حوله، أو تحقيق طموحات لا تعكس حقيقته الداخلية، حتى يغفل عن ذاته، عن صوته الداخلي، عن مشاعره واحتياجاته، وحتى عن قيمه الأصيلة.
وهنا يأتي معنى العبارة العميقة: “إذا نسيت نفسك نساك غيرك”، لتوقظ وعينا، وتُذكّرنا بأن أول من يجب أن ننتبه إليه هو نحن أنفسنا.
العبارة لا تحث على الأنانية أو الانغلاق، بل على التوازن؛ فهي تذكير بأن تقدير الذات، والاهتمام بها، ومعرفة حدودها، شرط أساسي لأن يحترمنا الآخرون.
من ينسى نفسه، غالبًا ما يُهمِل حقوقه، يُفرّط في وقته، يتنازل عن كرامته، أو يذوب في شخصية غيره، فينتهي به الحال شخصًا باهتًا لا يُنظر إليه، ولا يُحسب له حساب، لأن من لم يقدّر نفسه؛ لن يقدّره الناس.
إنّ نسيان الذات لا يعني فقط إهمال الجسد أو الصحة، بل قد يكون الأشد فتكًا حين يغيب الإنسان عن نفسه فكريًا وروحيًا، فيعيش نسخة لا تُشبهه، أو يتحوّل إلى تابع لكل ما يطلبه الآخرون، حتى على حساب راحته ومبادئه.
وهذا ما يجعل الآخرين، بمرور الوقت، يتوقّفون عن الاهتمام به، لأنهم يشعرون أنه لا يمتلك هوية واضحة، ولا يقف موقفًا حازمًا تجاه ما يستحق.
ومعرفة النفس والاعتراف باحتياجاتها هو أول خطوة لبناء علاقة متوازنة مع الحياة والناس.
احترامك لذاتك لا يعني التقليل من احترامك للآخرين، بل يمنحك أرضية صلبة لتكون أكثر حضورًا، وتأثيرًا، واستحقاقًا.
حين تهتم بنفسك، تُطوّرها، وتُنمّيها علميًا وروحيًا وعاطفيًا، فإن الآخرين يدركون هذا الجهد، ويعاملونك على أساسه.
وختامًا، فإنّ عبارة “إذا نسيت نفسك نساك غيرك” ليست مجرد عبارة، بل دعوة صريحة لممارسة الوعي الذاتي، وإعادة النظر في أولوياتك لتبدأ من ذاتك، قبل أن تذهب بعيدًا في خدمة كل شيءٍ ما عداك.
فالعطاء الحقيقي لا يأتي إلا من شخص ممتلئ، حاضر، واعٍ لقيمته وحدوده، يعرف متى يعطي، ومتى يتوقف، ومتى يقول: “أنا أولًا” دون خجل.