إيوان مكة

ذاكرة من الهشيم

لايمكنني القول أني وحيدة..

كلا ليس بهذه الظروف تحديداً و لكني أشعر على وجه الدقة

بأني في غُربة دائمه طوال الوقت..

وأشعر أني رحلت طويلًا عن شيء ما نسيت هيأته..

قلبي ليس سفينة بالطبع لكنه قارب صغير مثقوب بكل الخيبات

العابرة..

نعم سأغرق لكن ليس لمدة طويلة فالموت ينتظرني في الضفة

الأخرى و شباك الصيادين ستلتقطني في الحال

قبل أن أغرق عميقاً في قاع البحر..

لا تحزن ياصديقي فأنا لم أكن روحًا كاملة حتى تحزن لفراقي.

تعلم جيدًا عبء السنوات القادمة المُلقاة فوق كاهلي..

تلك التي أضيفت إلى روزنامة أيامي بعد فقد أبي

أيام لا تحصى كانت من أجله حتى قرر التخلي عنها و الرحيل

سريعًا

مثلما عَبر حياتي أيضًا دون أن أمسك لذكرياتي شيئًا منه..

مُثقلة..

أنت تعلم لِمَ..

بالرغم أني لا أخبرك ما المحزن حقًا ،

أني هرولت بقوة حتى كدت أقع؟ أم أني تعجلت الحياة ؟

حتى كَبُرت دون أن أنتبه، صار عمري ٢٥ عامًا دون هوية ، أو أحلام تُذكر..

مُعضلتنا أننا ننسى.. أكثر من اللازم

كيف هي هويتنا الحقيقية؟ كيف نبدو من الداخل؟

نسياننا يورث القلب فراغًا سحيقًا

و هُوَّةً في النفس لا يملؤها إلا السخط و الحزن ..

أغنيةٌ تكفي لجرف قلبي إلى هاوية العالم

أو إلى كوبٍ فارغٍ على طاولةٍ مليئةٍ بالسجائر..

تلك القدرة العجيبة في الأغنيات..

كيف تبلور الذكرى ! تصقلها، تشذبها، فتصبح جزأً منها..

قادرة على إعادتها و كأنها لم تذهب،

وكأنها الآن بكل مرارتها تُعيد لنا مشهد الحُرقة الأخيرة و الدمع

الذي كان نهرًا ..

و مثلما تلتقط المرايا وجوهًا لاتحصى.. مثله قلبي،

يلتقط من الأسى مايكفي لبناء مقبرة جماعية..

تتزاحم فيه أصوات النداء الأخيرة قبل أن يعودوا إلى حقيقتهم

الأبدية..

إلى طين الأرض الرحبة لتُعجن وجوههم بالماء..

و تنمو ضحكاتهم مثل سوسنة خارج أسوار القبر..

و أخيرًا..

مالهذا الحزن آخر.. مائل مثل حظٍ سيقع في أي لحظة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى