تحل عمَّا قريب ذكرى انتهاء أعمال التوسعة الثانية للمسجد النبوي الشريف (الخامس من شهر ربيع الأول سنة 1375 هـ) التي تُعتبر هي والتوسعة الأولى للمسجد الحرام، من أهم إنجازات جلالة الملك سعود بن عبد العزيز -يرحمه الله- على الصعيد الداخلي.
وقد ظلَّ جلالة الملك سعود بن عبد العزيز ملكًا للمملكة العربية السعودية على مدى أحد عشر عامًا (1953- 1964)، تحققت خلالها العديد من الإنجازات على صعيدي الداخل والخارج يأتي على رأسها سيرة على منهج والده الملك عبد العزيز؛ حيث أولى عنايته بالأمور ذات الصلة بالمسائل الإسلامية والعربية، فدعم القضية الفلسطينية، والقضية الجزائرية، وساند مصر في العدوان الثلاثي عام 1956م، واشتهر بقولته التي لا تُنسى: “أنا مع مصر بكل ما أملك”، وقد قطع علاقات بلاده ببريطانيا وفرنسا بسبب عدوانهما على مصر، وأنشئت في عهده الكثير من الوزارات وأبرزها وزارة المعارف ووزارة الإعلام، وهو مؤسس وزارة المعارف عام 1953م، ورائد تعليم البنات في المملكة، ففي عهده تأسست الرئاسة العامة لتعليم البنات (عام 1960م)، وافتتحت أول جامعة في عهده (جامعة الملك سعود/ الرياض سابقًا عام 1957م)، وأنشأ الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة في عام 1961م، وكلية البترول والمعادن عام 1964م، وكلية الملك عبد العزيز الحربية بالرياض، وأول مصنع حربي (في الخرج)، وهو أول ملك سعودي يزور الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي عهده صدرت نظم الدولة، وأهمها نظام مجلس الوزراء، وشيدت المباني الحديثة، وتوسعت المدن والقرى، وظهرت الطرق الحديثة.
وقاد الملك سعود جيوش والده في الزحف على اليمن في حرب 1934 م من جهة نجران، فيما قاد الملك فيصل جيوش والده عبر الساحل عن طريق جيزان، وبالرغم من وعورة الطريق وعوائقه، إلا أن الملك سعود أبلى بلاءً حسنًا في مسيرته القتالية، وبدعم من المكارمة الذين ساندوه في معاركه.
ويذكر أنه عندما تعرَّض جلالة الملك عبد العزيز لمحاولة اغتيال أثناء قيامه بفريضة الحج عام 1935م، وهو يطوف حول الكعبة، وعندما كان يريد البدء في الشوط الخامس وبينما أراد أن يستلم الحجر الأسود، انقض عليه رجل شاهرًا خنجره، لكن الملك سعود حال دون وصول المهاجم إلى الملك بإلقاء نفسه فوق أبيه، فأصابت الطعنة ظهره؛ ما أدى إلى إصابته بجرح بليغ. وفي نفس ذلك الوقت قدم شابان آخران من جهتي الملتزم وبئر زمزم، وكان يشهران خنجريهما، وحاولا الانقضاض على الملك وولي عهده، فانقض الحرس عليهم وقتلوهم. وتقدم هذه القصة أعظم مثال على محبة وإخلاص ووفاء الملك سعود لأبيه وبره به إلى حد أنه افتداه بروحه واستعد للموت من أجله.
وتُعتبر شيمة العطاء والكرم من أعظم شيمه -يرحمه الله- ويحكى بهذا الصدد أنه تبرع بمساعدة من لا يستطيع الحج على حسابه الخاص فأرسل مندوبين إلى أهل البلدان يخبرهم بأن من يعجز عن أداء فريضة الحج لعدم وجود المال أو وسيلة النقل؛ فسوف تصل إليهم سيارات تنقلهم إلى مكة المكرمة محفولين ومكفولين ومهيأ لهم سبل الراحة؛ فانطلقت السيارات إلى القرى والمدن بعد أن تم حصر من يريد الحج في هذه القرى والمدن.
ولما وصلت هذه السيارات تم إركاب من يريد الحج فيها فانطلقت بهم عبر طرق ممهدة إلى مكة المكرمة، وكان البعض منهم يركب السيارة لأول مرة فوصلوا إلى مكة وقاموا بأداء فريضة الحج ثم عادوا إلى ديارهم بعد أن يسر الله لهم أداء الفريضة على نفقة الملك سعود، وعرفت تلك السنة بأنها “سنة عجزة”.
وكان جلالة الملك سعود داعمًا قويًا للقضية الجزائرية، فعندما انتفض الشّعب الجزائري انتفاضته الكبرى في مطلع شهر نوفمبر عام 1954م (1374هـ) بادر الملك سعود بعد شهرين فقط من انطلاق هذه الثورة؛ ليجعل من هذه القضية قضية دولية، لا يمكن للعالم أن يغمض عينيه عنها، وانطلق جلالته يستجمع القوى والأنصار في المحافل الدولية فحوّلها إلى قضية من قضايا مجلس الأمن، ثم انتقل بها إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبنتها واحتضنتها. وقال توفيق المدني الكاتب المعروف وهو يخاطب الملك سعود – رحمه الله -: “وإننا لا ننسى ولا تنسى الجزائر المجاهدة أبدًا، في حاضرها ومستقبلها، أن يد جلالتكم الكريمة كانت أول يد امتدت إليها بالمساعدة المالية أولًا، وباحتضان قضيتها ثانيًا أمام هيئة الأمم المتحدة”.
وعلى الصعيد الداخلي، تُعتبر التوسعة الأولى للمسجد الحرام والتوسعة الثانية للمسجد النبوي الشريف، من أهم منجزاته – يرحمه الله- وكان جلالته وراء بناء العديد من الصروح العلمية في المملكة، كما تعتبر دعوته إلى قيام المؤتمر الإسلامي في عام 1375 (1955م)، والذي انبثقت من خلاله رابطة العالم الإسلامي في عام 1381هـ (1962م) من منجزاته الداخلية الهامة التي خلدت ذكراه.. رحم الله جلالة الملك سعود وجعله في جنة الخلد.
