المقالات

أبو ناصر.. في خاطري شيء نفسي أقوله (2)

همس الحقيقة

عفواً أبو ناصر، اسمح لي، يا من فجّرت من خلال ما شاهدنا في الحفل المبهر العالمي “جوي أوورد” في أعماقنا طاقات جمال الفن والإبداع، في ليلة تاريخية لن تُنسى. ولم تكتفِ بذلك، إنما كنت على قدر كبير من “الوفاء” مع من كانت لهم في مسيرة الموسيقى والأغنية والدراما، سينما وتلفزيون ومسرح، ذكرى جميلة عبر ما قدموه من أعمال كانت بداياتها في الزمن الجميل، فعطّرت ذلك المساء بلغة حب لمسها الجميع في فرحة الدعوات التي وجهتها لحشد كبير من “رواد” الفن الأصيل محلياً وخليجياً وعربياً وعالمياً، حيث نشرت الابتسامة على وجوه شاخت، وعيون أشبه بالوردة الذابلة، بمبادرة تكريم أسعدتهم كثيراً.
• في تلك الليلة العالمية، يا معالي الوزير، لم أكن قادراً على أن أترك مجلسي، وعيني خاصمت النوم في ذلك المساء وهي ترى حدثاً لم يكن في مخيلتي، ومن المستحيل أن يحدث، لتطوف في رأسي كمٌ هائل من الذكريات التي أشرت إلى القليل منها في مقالي الأول. وهذا أنا اليوم، يا من كرّمت القلم، أسترجع بقلمي الإلكتروني ذكريات داعبت فكري، وظنّي أنك من “نبشها” وأعادها للحياة، وكنت أظنها “قد ماتت” ودُفنت في أرشيف لم يعد له وجود، “أُتمسح وأصبح” نسياً منسياً، لأكتبها من جديد ليحتفظ بها “التاريخ”، وأنت خير من يُقدّر تاريخ الفن السعودي والاهتمام بمن كانت لهم “بصمة” واضحة في صناعة جماله.
• من بين تلك الذكريات، يا “أبو ناصر”، التي صالت وجالت في رأسي، أيام من “عصريات” عشتها في طفولتي بمسقط رأسي مدينة الطائف، وأنا أذهب بصحبة والدتي رحمها الله إلى بساتين “الرقاب والنزهة والفيصلية”، حيث كان لنساء المصيف وأهله من الفتيات ملتقى يجتمعن فيه، مع جلسة “طرب” مع عدد من الفنانات السعوديات. أذكر البعض منهن وليس الحصر: “توحه وسوني أحمد وابتسام لطفي”.
• أما فن وطرب الرجال في مدينتي، فكان لهم معه موعد في مناسبات الأفراح، ومن بينها فرحة زيارة ملك أو شفاؤه من رحلة علاجية، ليتم بناء مسرح تقليدي يصعد على خشباته الفنانون طارق عبدالحكيم وطلال مداح وعبدالله محمد وحيدر فكري ومحمود حلواني وعبدالله مرشدي، ليستمع ويستمتع عدد كبير بأغانيهم وروح المنافسة بينهم لإسعاد الجماهير الحاضرة المحبة للفن. والطائف آنذاك، من خلال إحيائها، انطلق فن الغناء السعودي. ومع مرور الأيام والسنين ومع التطور الذي شهدته بلادي في جميع المجالات، تم إنشاء جمعية الثقافة والفنون، ومقرها الرئيسي الرياض، وأول فرع لها كان في جدة.
• بحكم انتمائي لمسقط رأسي، كان هناك سؤال قد قفز إلى رأسي ويحاكي هواجس أبناء الطائف: لماذا لا تحصل الطائف على نصيبها من الاهتمام؟ فنقلت هذا السؤال إلى الكاتب الغنائي الشاعر محمد طلعت، ونُشر في جريدة البلاد ضمن حوار صفحة كاملة، ليجيب على هذا السؤال بأن مسؤولاً في جمعية الثقافة والفنون بجدة يعرقل إقامة هذا المشروع. ليطلع الأمير فيصل بن فهد، الرئيس العام لرعاية الشباب آنذاك، ويصدر توجيهاته بتأسيس فرع للجمعية بالطائف، وتولى مهمة رئاستها الفنان عبدالله المرشدي، رحمهم الله جميعاً.
• مواقفي ومواقف أمير الشباب مع الصحافة الفنية وغيرها من صحافة الثقافة والأدب والرياضة، وما يُكتب من آراء وأطروحات تنشد التطوير، ما زالت عالقة في ذاكرتي. من بينها، بعد عودتي من أمريكا وقد كنت مبتعثاً من قبل الخطوط السعودية، وتحولت إقامتي لمدينة جدة، لاحظت هناك ركوداً مسرحياً. فأجريت استطلاعاً مع خمسة مسؤولين في جمعية الثقافة والفنون بجدة عن أسباب هذا الركود، لتأتي إجابات كل مسؤول من الخمسة مختلفة ومتناقضة عن زميله الآخر، مما أدى إلى فتح الأدراج المغلقة بتوجيه من الأمير فيصل بن فهد، موجه لرئيس المكتب الرئيسي لجمعية الثقافة والفنون الأستاذ محمد الشدي، يرحمه الله، لترى مسرحية “الدنيا حظوظ” النور.

وللحديث بقية.

عدنان جستنية

كاتب وناقد صحافي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى